يقول فريق من العلماء الروس بأن المادة السوداء، وهي أكثر الأشياء الغير مرئية والغامضة التي تشكل معظم المواد في الكون, قد تكون مختبئة في ثقوب مجهرية سوداء.
لا أحد يعلم تحديداً ما هي المادة المظلمة, ولكن العلماء يعلمون أنها لا بد أن تكون موجودة, وذلك لأنه لا يوجد ما يكفي من المادة المرئية في الكون لتوليد الجاذبية اللازمة لربط المجرات وغيرها من الكتل ذات الأحجام الضخمة مع بعضها, وقد كان العلماء منذ عقود و حتى الآن يبحثون عن المادة المظلمة باستخدام أجهزة الكشف سواء في الفضاء أو على الأرض.
جاء في فرضية جديدة قام بوضعها كل من عالمي الفيزياء الفلكية (فياتشيسلاف دوكوتشيف) و(يوري ايروشينكو) من معهد البحوث النووية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو, ، أن المادة المظلمة يمكن أن تكون مصنوعة من ذرات ثقوب سوداء مجهرية – أو كمومية.
مفهوم الفرضية ليس جديداً تماماً, فقد اقترح آخرون أيضاً بأن الثقوب السوداء الصغيرة جداً يمكنها أن تصنّع مادة مظلمة, وقد أطلق على هذه المواد تسمية المادة المظلمة لأنها لا تبعث ولا تمتص الضوء أو أي اشعاع كهرومغناطيسي آخر , ولذلك لا يمكن أن يتم اكتشافها من قبل التلسكوبات بشكل مباشر، كما اعتقد العلماء منذ زمن بعيد أن الثقوب المجهرية السوداء وجدت في وقت مبكر من نشوء الكون, ، وذلك لأن التقلبات الكمومية في كثافة المادة مباشرة بعد الانفجار الكوني العظيم, قد خلقت مناطق من الفضاء كثيفة بما يكفي للسماح بتشكّل هذه الثقوب السوداء الصغيرة, هذا و يعتقد بعض الباحثون بأن الكون ما يزال مليئاً بمثل هذه الثقوب.
تشير الدراسة التي قام بها كل من دوكوتشيف و ايروشينكو بأنه يمكن أن يوجد نوع معين من الثقوب السوداء الكمومية التي تدعى بـ”ذرات الثقب الأسود”, وهذه الثقوب المجهرية السوداء كانت تحمل بالأصل شحنة كهربائية, جذبت إليها البروتونات والالكترونات, تاركةً الثقوب المجهرية السوداء الصغيرة بحالة محايدة كهربائياً, تماماً مثل الذرة, هذه الفكرة مستندة جزئياً على “نظرية فريدمون” التي اصدرها العالمان الفيزيائيان الروسيان البارزان مويزي ماركوف، وفاليري فرولوف من جامعة ألبرتا في كندا في السبعينات من القرن الماضي.
لم يقم ماركوف وفرولوف أبداً بالربط بين “نظرية فريدمون” والمادة المظلمة, ولكن دوكوتشيف يقول أن ذرات الثقوب السوداء المحايدة, يجب أن يكون لها الخصائص ذاتها التي يعتقد أن تمتلكها المادة المظلمة.
ويقول الباحثين بأن الثقوب السوداء تمتلك الكتلة ذاتها تقريباً التي تمتلكها الكويكبات, من 10^ 14 كجم إلى 10 ^ 23 كجم ، ولكن حجمها يعد أصغر من الذرة, وتفاعلها مع المادة العادية ضعيف جداً, حتى أضعف من تفاعل المادة مع النترونات, ولذلك تكون الثقوب السوداء الكمومية, مظلمة وواسعة النطاق وغير متفاعلة على المستوى الجسيمي, مع الخصائص التي تؤهلها لتكون مادة مادة مظلمة.
ولكن فرولوف لا يعتقد أن هذه فكرة يمكن أن تكون صحيحة حقاً, فإذا استعملنا “نظرية فريدمون” لتفسير المادة المظلمة, تعترض طريقنا بعض التناقضات, فالمادة المظلمة يجب أن تكون مكونة من WIMP(جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل), في حين أن ذرات فريدمون “تشارك” في التفاعل الكهرومغناطيسي، وربما هذا هو السبب الذي دفع الدكتور دوكوتشيف لوضع مدار ذري داخل الفريدمون, ولكن في هذه الحالة لن يكون تكوين الفريدمون مستقر من ناحية الشحنة الكهربائية, وقد تنخفض كتلته الخارجية إلى الصفر, ويضيف فرولوف أن هناك مشكلة أخرى غير محلولة في هذا النموذج, وهي آلية تشغيل الفريدمون, حيث يجب إنتاج عدد كافي من الفريدمون لشرح المادة المظلمة, فمن المتوقع أن الكون عند بداية تكونه كان يحتوي على عدد كبير من الجسيمات الصغيرة الغير متجانسة, وهذا الأمر صعب توقعه في نماذج التضخم القياسية.
وبحسب قول (آفي لوب) عالم الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد, أن هناك شكوك أخرى, حيث أنه عادةً لا تكون الثقوب السوداء مشحونة كهربائياً, لأنه بذلك سيتم تحديدها بسرعة من قبل الجسيمات الملتحمة المشحونة بشحنة مخالفة لها- بروتونات أو الكترونات.
بالرغم من كافة الانتقادات السابقة، فما يزال (دوكوتشيف) مقتنعاً بأن نظريته هذه لا تقل أهمية عن باقي النظريات التي تخص المادة المظلمة, خاصة وأنه لا توجد أي نظرية حتى الآن قامت بتحديد ماهية المادة المظلمة الغير مرئية والغامضة.
لقد انضمت نظرية الثقوب السوداء الذرية إلى قائمة طويلة من التعريفات المرشحة عن المادة المظلمة,, وللتأكد إياً منها هي الصحيحة علينا أن نجد أحد هذه الثقوب أولاً، ويقول الباحثان الروسيان أن تحديد هذه الثقوب السوداء المحايدة يجب أن يكون أمراً ممكناً, لأن تكوينها يرشّح أنه يمكن أن تصدر عنها إشارات تمكّن كشفها.
ومن وجهة نظر العالمين فإن الثقوب السوداء الذرية تتشكل عندما يندمج الكترون في ثقب أسود كمومي, و قد يصدر عن هذا الاندماج طاقة على شكل ومضة من الأشعة الكونية ذات الطاقة الفائقة, كما أن عملية انتقال الالكترون من مستوى إلى آخر تولد فوتونات (ضوء) تجعل الثقوب السوداء مرئية.