تطفوا على السطح مؤخرا وبشكل متسارع ظاهرة المشاريع الممولة من قبل الجمهور، والتي أخذت تتزايد بشكل كبير في الأونة الأخيرة، ولعل الإطلاع على بعض تفاصيلها يعطينا صورة حول السوق العالمية وإلى أين ستتوجه خلال الفترة القريبة القادمة. حيث نشرت شركة الأبحاث البريطانية beauhurst أن 21% من جميع ما يعرف بالـ equity investment في بريطانيا كان قد أتى حصراً من موقعين من مواقع التمويل المجتمعي.
المفاجئة الحقيقية تكمن في أن معظم هذه المشاريع لم تكن موجودة أصلا قبل ٦ سنوات من الأن، فهي كلها أفكار جديدة لمشاريع جديدة يحاول فيها المواطنون المشاركة في كسر الجمود الإقتصادي الذي يعيشونها بعد النكسات الإقتصادية الكبيرة التي عاشتها البلاد في اخر ٢٠٠٨، والتي من المتوقع أن تعاود لتضرب الأسواق بشكل أكبر هذه المرة حسب تقارير إقتصادية كثيرة.
الموقعين الرائدين في بريطانيا على سبيل المثال في هذا المجال، هما موقعي Seedrs و Crowdcube ورغم كونهما ليسوا الوحيدين في المملكة المتحدة إلا أنهما الأسرع نموا. فيما تظهر مواقع متخصصة أكثر في مجالات محددة لا تخرج عنها مثل موقع الإستثمار العقاري thehousecrowd ومواقع أخرى متخصصة في التكنلوجيا وغيرها.
لفهم هذه الظاهرة، يجب البحث بشكل أعمق في أسبابها التي دفعت لها، ولماذا يتوجه الناس بشكل أكبر إلى هذا النوع من التمويل المجتمعي بدل التمويل التقليدي الذي كانوا يحصلون عليه في أوقات سابقة.
الثقة
بعد الأزمة الإقتصادية قبل ٩ سنوات تقريباً والتي كانت مفاجئة للكثير ممن فقدوا بيوتهم أو أعمالهم، ولم تعد لديهم الثقة الكاملة في النظام الإقتصادي القائم، فتحولوا بدلا من ذلك إلى طرق أخرى للإستثمار لا تعتمد على البنوك أو الأنظمة التقليدية.
البنك الدولي يدعم شبكات الكهرباء الصغيرة فكيف يستفيد منه العالم العربي
بديل عن التمويل البنكي
يلجئ كثير من الناس في حال كانت لديهم أفكار إستثمارية إلى عدة طرق، لكن أهمها البنوك التي توفر في الغالب قروض بنسبة فائدة قليلة في الغالب، لكن البنوك باتت تطلب العديد من الضمانات التي لا يستطيع الجميع الوفاء بها، فيما تقدم شركات قروضا بشروط أقل إلا أنها في الغال تكون بنسب فائدة مرتفعة للغاية تصل في بعض الأحيان إلى ٤٥٪ في بريطانيا، ويلجئ لها في الغالب من يحتاج المال بشدة ويتوقع أرباحا كبيرة في فترة وجيزة.
وفرت منصات التمويل المجتمعي نوعا اخرا من التمويل، لا تمر بالبنوك التي تتاجر في الأصل بأموال العملاء، فوفرت حلقة الوصل بين صاحب المال وصاحب الحاجة له دون المرور بالبنوك، بضمانة واحدة فقط، هي أن تكون الفكرة جذابة للجميع وقابلة للتحقيق.
إبداع غير مسبوق
في السابق كانت الوسيلة للحصول على التمويل تكمن في إعداد دراسة جيدة، ربما تعدها شركات متخصصة قادرة على إقناع البنوك، يحصل بعدها المتقدم للطلب على ما يحتاجه من المال اللازم لمشروعه من البنك.بغض النظر إن كانت الفكرة مبدعة وغير مسبوقة أو كونها فكرة عادية تقليدية. الأمر الذي غيره الإنترنت، وحث الناس على إبراز نوع من التحدي، بطرح مشاريع مقنعة للناس أكثر وذلك للحصول على التمويل المطلوب.
في المقابل أتاح الإنترنت ثقافة جديدة وهي نقد المشاريع قبل إطلاقها أصلا، إذ يمكن أن تخضع الفكرة للكثير من النقاش من قبل العامة بعد طرح الفكرة على الملئ، ويمكن أن يقوم صاحب الفكرة بالعديل عليها ومحاولة تصحيح مساره مرة تلو مرة ليصل إلى ما يرضي الجمهور بشكل أكبر.
ما الذي يموله المجتمع؟
تشير الإحصائيات إلى إرتفاع نسبة الإستثمار الخاضع لفكرة التمويل المجتمعي أو ما يعرف بـ (Crowd–Investing ) إلى أكثر من ٢ مليار دولار أمريكي في العام ٢٠١٥. بينما وصل في العام ٢٠١٦ إلى ضعف ذلك تقريبا محققا ٣,78 مليار دولار. فيما تشير بعض إحصائيات البنك الدولي إلى إحتمال وصول هذا المبلغ إلى الـ ١٠٠ مليار دولار في العام ٢٠٢٥.
يمول الجمهور معظم ما يتناسب مع إحتياجاته المختلفة من صحة وثقافة وترفيه وغير ذلك، ويظهر هذا الرسم البياني مزاج التمويل في الدول الأوروبية و أمريكا خلال عامي 2013 – 2014.
لماذا يتأخر العالم العربي؟
يتحقق النجاح في الدول الغربية لعدة أسباب لعل أهمها الإستقرار السياسي والإقتصادي ( بدرجات مختلفة ) لكن الأهم من ذلك كله هو الثقافة المجتمعية بأهمية الأمر وإمكانيته، و إمكانية الإستثمار عن طريق الإنترنت و وجود قوانين للحماية تساهم في حماية صاحب المال و وجود طرق حقيقية للتحقق من اصول الشركات وذلك من خلال أنظمة الشفافية التي تقوم عليها تلك الدول. مما يعزز الثقة بين الناس ويضع أرضية حقيقية لإستثمار بهذا الشكل.
في العالم العربي ظهرت مؤخراً عدة منصات، كان منها على سبيل المثال منصة ذو مال والتي تعتبر أشهر منصة عربية في هذا الجانب، وقد إتخذت من ” أمة الإبداع .. أبدعي ” شعارا لها.
منصة ذو مال لا تعنى بالأمور الربحية ولا الأمور الخيرية. تعمل على شي مختلف تماما، وهو المشاريع المجتمعية فقط، وقد حصدت المنصة جمهورا واسعا وإهتماما بالغاً لكنها لا تزال ضعيفة جداً مقارنة بمواقع شبيهة في دول أخرى.