يقول (جايكوب وارد) (التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تتبعنا في كل تفاصيل حياتنا، حياتنا الجنسية، الأمراض التي تصيبنا، حتى خصوبتنا وقدرتنا على الإنجاب، كل هذه المعلومات يمكن أن تنكشف للعامة بدون أن يدرك أصحابها ذلك).
“بدأ جيف بممارسة الجنس في الساعة الثانية بعد الظهر، ويبدو أن العملية استمرت بضعة ساعات، وأحرق ما مجموعه 347 سعرة حرارية” يستطيع أي أحد معرفة هذه المعلومات لأنها متوفرة لأي شخص على الإنترنت، ولا نعرف فيما إذا كان (جيف) يعرف هذا الشيء أم لا.
في الواقع، (جيف) كان يرتدي عصبة (فيت بت) Fitbit، وهي ربطة معصم موصولة على شبكة الإنترنت، تقوم بقياس التمارين التي يقوم بها المستخدم وتمكّنه من تتبع السعرات الحرارية التي يفقدها، في عام 2011، تم عرض هذه البيانات على موقع على شبكة الانترنت بحيث أصبحت هذه المعلومات متاحة للعموم عبر محركات البحث، والأشخاص الأسوء حظاً هم الذين كان قد وضعوا ممارستهم للجنس كتمرين رياضي، حيث تم بث تفاصيل حياتهم الجنسية للعالم، وعلى الرغم من أن الشركة المصنعة لعصبة (فيت بت) تداركت الخطأ، إلا أن الذي حصل هو بمثابة إنذار يجب أن يذكرنا دوماً بأن ربط نشاط جسمنا على شبكة الانترنت يمكن أن يكون له نتائج غير متوقعة.
مجموعة كبيرة من التقنيات القابلة للارتداء والأجهزة الطبية تقوم حالياً بمراقبة كل شيء، وزن الجسم، النظام الغذائي، خصوبة الجسم، وبشكل طبيعي فإن الكثير من هذه البيانات يمكن أن تتم مشاركتها مع الشبكات الاجتماعية، الأطباء، الشركات، وحتى مع الأشخاص الغريبين كلياً، وعلى الرغم من أنه يوجد الكثير من الفوائد التي قد نحصل عليها من مشاركة إشارات جسمنا الحيوية على الانترنت، يبقى السؤال المطروح ما هو عدد الأسرار التي قد يرغب أحدنا بمشاركتها مع العالم أجمع ؟
كان (ستيف مان) أحد أوائل الأشخاص الذين قاموا بربط نشاطهم اليومي إلى الإنترنت، حيث قام في ثمانينات القرن الماضي باختراع جهاز كومبيوتر يُحمل على الظهر وقام بتجهيزه بكاميرا فيديو وشاشة قابلة للارتداء بالرأس حيث تتوضع الشاشة أمام العين مباشرة، وفي منتصف التسعينيات قام (مان) باختراع كاميرا لاسلكية، حيث بدأ بارتدائها طوال الوقت، وقام ببث المقاطع التي يقوم بتصويرها مباشرة على شبكة الانترنت، وفعلاً تمت الاستفادة من هذه التقنية، حينما قام (مان) بتصوير حادث اصطدام وهرب عن طريق الكاميرا التي يحملها، وتم استعمال الصور التي التقطها للتعرف على الفاعل.
أحد الأمثلة المطروحة أيضاً لفوائد التقنيات القابلة للارتداء، هي أجهزة (فيت بيت) Fitbit و)نايكي فيول باند(Nike’s FuelBandالتي تقوم بتسجيل حركة الاشخاص الذين يستعملونها، ومن ثم ترسل تلك المعلومات لاسلكياً إلى موقع على شبكة الانترنت، حتى يصار إلى تتبع السعرات الحرارية التي تم حرقها، بعض الناس تقوم بمشاركة هذه المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويزعم العديد من المستخدمين بأن هذه الأجهزة تحسّن من صحتهم ولياقتهم البدنية، ويمكن لهذه التكنولوجيا أيضاً، أن تساعدنا أن نكون أكثر وعياً لصحة أجسامنا، حيث أن الأجهزة الطبية اللاسلكية تساعد المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة على تتبع حالتهم الصحية، مثل أجهزة مراقبة الجلوكوز (السكر) في الدم وأجهزة ضبط نبضات القلب، التي تسمح للأطباء بمراقبة مرضاهم عن بعد، أو جهاز (ديو فيرتلتي) Duofertility والذي يقوم بمراقبة أوقات الدورة الشهرية للمرأة وإعطاء النصائح لأفضل وقت لحصول التلقيح والحبل.
في المستقبل، فإنه من المتوقع أن نقوم بمشاركة معلومات أكثر من التي نقوم بمشاركتها حالياً، حيث يتوقع بحث نشر في مجلة (ابحاث الانترنت الطبية) Medical Internet Research، أن يقوم المرضى باستخدام أجهزة طبية لاسلكية لتقوم بتسجيل مؤشراتهم الحيوية، ومن بعدها نشر النتائج، للحصول على تشخيص من العامة، وهذا ما يحصل فعلاً حالياً في مواقع التشخيص الالكترونية مثل PatientsLikeMe و CrowdMed، والتي تسمح للمرضى بأن يشاركوا أعراضهم المرضية الغريبة، وعلى حد تعبير البحث بأن هذا هو المستقبل، حيث أن نشر مؤشرات أجسامنا الحيوية على الانترنت، يقودنا إلى الحصول على حكمة العامة لتحديد الأمراض الغامضة.
على الرغم من كافة ما تقدم، فإن استخدام هذه التقنيات قد تحمل في طياتها مغامرة، خاصة فيما اذا تم الكشف عن معلومات شخصية أكثر من اللازم، حيث يمكن لشركات التأمين الصحي –على سبيل المثال- أن تستفيد من المعلومات الطبية المنشورة عن المؤمَّنين لتقوم بزيادة بدلات التأمين أو رفض تغطية الحوادث، وبغية منع شركات التأمين من إساءة استخدام المعلومات الطبية الشخصية المنشورة على الانترنت، عمدت وكالة الصحة البريطانية إلى تأجيل مشروع مشاركة تفاصيل سجلات المرضى على قاعدة بيانات على الانترنت.
علاوة على ما تقدم فإن خطورة هذه التقنيات تكمن في كشفها لمعلومات يجب أن تبقى طي الكتمان، فمثلاً يوجد مواقع على الانترنت يقوم بها الأشخاص بنشر مواصفات مورثاتهم، وباعتبار أن المورثات مرتبطة مع بعضها، فإن الكشف عن مورثة شخص قد يؤدي إلى كشف معلومات عن شخص آخر مرتبط به، وتعبّر العالمة (فيرجينيا هاغز) عن ذلك بقولها : ( إن عملية البحث عن الأصول الوراثية هي عملية ممتعة بالتأكيد، ولكن يمكن للتكنولوجيا أن تكشف بسهولة بعض العمليات الخاصة السرية مثل الخيانات والتبرع بالحيوانات المنوية، والتبني، هذه الأسرار العائلية التي لايجوز أن تكشف).
أخيراً، يجب علينا أن نكون متوازنين حيال موضوع نشر مؤشرات أجسامنا على شبكة الانترنت، وأن نأخذ بعين الاعتبار ما هي المخاطر التي ستحدث بالتوازي مع الفوائد التي سنجنيها، كون فوائد هذه التكنولوجيا يمكن أن تكون كبيرة،ولكنها بذات الوقت تجعل أجسادنا أكثر عرضة للعامة من أي وقت مضى.