قد نلتمس العذر للكثير من عامة القوم، لافتقادهم العلم بكثير من بواطن الأمور وعدم ادراكهم وتراجع وعيهم فى معرفتهم بفرع من فروع العلم، ولكن لا نستطيع أن نلتمس أى عذر لأهل التخصص والمعرفه نظرا لتفاقم ذنبهم وتعاظم عذرهم الذى هو فى حقيقته أقبح من ذنبهم. وقد يزداد القبح قبحا عندما ينبعث العذر من مستنقع الجهل المركب الممتزح بكمون الحقد الأسود الكائن فى القلوب المثقوبة التى صارت كالغربال العتيق. فكمون الحقد فى القلب ككمون النار فى العود يعث فى العقل تنكيلاً ونعراً وحفراً ووخزاً حتى يعطبه ويدفعه مكرها إلى الاستسلام الى هوى النفس المريضة. هنا وهنا فقط، قد يختلط الصالح بالطالح ، ويتصدر المشهد كل محدث للنعمة وكل هالوك للمعرفة وكل متسلل ومدع للتخصص العلمى، فشتان شتان بين سمفونية أهل التخصص والمعرفة الحقيقين ونشاز أبواق من هم دون ذلك من الذين هبطوا فى خلسة من الزمن على بستان المعرفة وتسلقوا أسواره واخترقوه من أبوابه الخلفية، وانتشروا فى البستان كالبعوض. وفى هذا الصدد، كان لازما على أهل العلم الحقيقين التوضيح كى لا يفتن عامة القوم بخوار أو نبيب أو عواء أو مواء أو عرير أو أزيز من يدعون المعرفة ولا يشتمون رائحتهم المزعجة ويتجاهلون جهلهم المركب.
ففي العصر الحالي، شهد الفكر العلمي تحولًا جذريًا، حيث برزت رؤيا حديثة للطبيعة من خلال الثورة العلمية الحديثة التى اعتبرت هذه الطبيعة بمثابة آلة تخدم مصلحة الإنسان ، الأمر الذى أدى إلى استبدال نظريات الثورة العلمية التقليدية التي أصابها بعض العوار القائم على اتخاذها من الطبيعة كائنًا حيًا لأكثر من ألفي عام، وتشييدها العقيم للكثير من الجبال الشاهقة التى عزلت بين الامتزاج غير المتجانس والتداخل الضرورى بين الكثير من العلوم، وتجاهلها غير المقصود للتضافر المطلوب بين هذه العلوم. ونتيجة لهذه الثورة العلمية الذكية، طرأ تغيير على الفكر العلمي وظهرت أساليب علمية تجريبية تهدف إلى إثبات النظريات واعتماد معايير جديدة للتفسير تستند على التآزر الحميد بين كافة علوم الحياة. حيث شهدت هذه الثورة تدفقًا هائلًا للمعلومات، مما أسفر عن ضغط كبير على المؤسسات والممارسات التقليدية. وعلى الرغم من سرعة انتشار المعلومات، الا أن سعى أصحاب الأبواق الخربة من مدع العلم والمعرفة قد خاب وباء بالفشل الذريع ولم يستطيعوا فيما بينهم من إيجاد أساليب جديدة لمواكبة الثورة العلمية الحديثة نظرا لما أسلفنا من أسباب. حيث كان من ثمار الثورة العلمية الحديثة، التقنية النانوية الحيوية التي عجز أشباه الباحثون ومدعو المعرفة عن الوصول الى تفاصيلها والتعمق فى أنهارها.
التقانة النانوية الحيوية (Bio-nanotechnology) التى هى فرع من فروع التكنولوجيا يقوم على استخدام المواد والتقنيات النانوية في مجال العلوم الحياتية، وبتعبير أخر، فهى العلم الذى يختص بدراسة العناصر الموجودة في الطبيعة بهدف تصنيع أجهزةٍ جديدةٍ.. حيث تتضمن هذه التقانة تصميم وتصنيع واستخدام هياكل وأجهزة نانوية تتراوح أبعادها من 1 إلى 100 نانومتر، بهدف تحسين التطبيقات في مجالات مثل الطب، الزراعة، والبيئة. كما يستخدم مصطلح علم التقانة النانوية الحيوية بالتبادل مع مصطلح علم التقانة الحيوية النانوية (Nano-biotechnology ) على الرغم من وجود تمييزٍ في بعض الأوقات بين المصطلحين. وعند رفع لواء التمييز فيما بين المصطلحين، نجد أن التقانة الحيوية النانوية غالبًا ما تشير إلى استخدام التقانة النانوية لتحقيق المزيد من الأهداف في مجال التقانة الحيوية، في حين يستخدم مصطلح التقانة النانوية الحيوية عند وجود أي تداخلٍ مشتركٍ بين علم الأحياء والتقانة النانوية، ومنها استخدام الجزيئات الحيوية كجزءٍ أو مصدر إلهامٍ عند تصنيع الأجهزة التكنولوجية النانوية.
وكأن لسان حال الثورة العلمية الحديثة قد استل ركائزها من علم التآزر أو الترابط (Synergy) الذى يشير إلى التفاعل بين عناصر أو عوامل مختلفة بحيث يتعاونان لتحقيق تأثير أكبر مما يمكن أن يحققه كل عنصر بمفرده. هذا العلم الذى أشارت اليه كل الشرائع الالهية، ” وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)” سورة طه. مفاد هذا أنه يمكن أن تطبيق هذا المفهوم في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك العلوم، الطب، البيولوجيا، الأعمال، وعلم النفس، وهذا ما أستطاع العلماء والباحثين الحقيقين اكتشافه والانتقال به من النظرية الى التطبيق دون الاكتراث باللغط العلمى الذى يهدر الوقت ويستهلك الجهد ويستنزف المال ناهينا عن تعظيمه للجهل المركب.