التغير المناخي في تونس وطاقاتها المتجددة
تعيش تونس كبقية بلدان العالم على وقع تبعات التغير المناخي وانعكاساته التي تؤثر على العديد من القطاعات الحيوية. وكان قد تربع التغير المناخي ولأول مرة على رأس قائمة المخاطر طويلة الأمد في تقرير المخاطر العالمية السنوي والذي صدر بداية هذا العام على هامش قمة دافوس الاقتصادية، مما يجعله بمثابة نداء تحذيري اخير للمجتمع الدولي لمزيد العمل على الحد من تبعات التغير المناخي وخاصة تطوير سبل التكيف معه.
وعلى الرغم من الظروف المناخية الصعبة التي تمر بها منطقة شمال إفريقيا منذ عقود، حيث تشهد البلاد التونسية منذ سنوات مواسم جفاف وانخفاض ملحوظ في منسوب تهاطل الأمطار، فإن البلاد التونسية تتمتع بخصائص مناخية تساعدها على التحول من دولة مستهلكة لطاقات الوقود الأحفوري إلى بلد يعتمد على الطاقات المتجددة.
تونس: لعنة الجغرافيا و انعكاسات التغير المناخي.
تقع تونس في منطقة تكونها الصحراء بنسبة 90 بالمئة في حين أن شريطها الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسط يساهم في تفاقم الوضع المناخي في المنطقة خاصة أن هاته الخصائص الجغرافية تساعد على تعميق والتمديد في سنوات الجفاف وظهور عواصف ترابية تعرف بـ”الداست بوال” كتلك التي ظهرت في الولايات المتحدة خلال فترة الثلاثينات.
ولارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب تهاطل الأمطار انعكاسات كبيرة على القطاع الفلاحي الذي يساهم في بناء الأمن الغذائي الوطني ويساعد على تعزيز التنمية الجهوية وتقوية الناتج الداخلي الخام. وتمتد
الأراضي الفلاحية في تونس على مساحة 10 مليون هكتار منها 5 مليون هكتار مخصصة للزراعات أي ما
يقارب 65 بالمئة من المساحة الكلية للبلاد التونسية.
ومن أجل ضمان نجاعة هذا القطاع الحيوي فإن للمناخ أهمية كبرى. حيث تتسبب درجات الحرارة المرتفعة
وانخفاض منسوب الموارد المائية في تدهور هذا القطاع الحيوي مما ينجر عنه عدة مشاكل منها
التأثير على اليد العاملة ونوعية الإنتاج ومدى توفره في الأسواق. كما يساهم في ارتفاع أسعار المواد الفلاحية والغذائية.
كما يهدد الارتفاع المطرد في مستويات مياه البحر جراء ارتفاع مستويات حرارة الأرض إلى 46 درجة مع منتصف القرن التنوع البيولوجي وحياة الألف من متساكني المدن الساحلية والجزر. حيث أبرزت دراسة تحت عنوان “ارتفاع منسوب مياه البحر وانعكاساتها على القارة الافريقية بين 2000 و 2100” أن البلاد التونسية إلى جانب العديد من البلدان الاخرى سيكون سكانها عرضة للهجرة القسرية بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. وهذا الارتفاع الخطير في مستويات البحر سينجر عنه غرق أجزاء من السواحل والجزر التونسية خاصة منها ارخبيل قرقنة مما سيتسبب في تهجير الآلاف من التونسيين مسببا أزمة انسانية واخرى اجتماعية اقتصادية.
كما لتفاقم ارتفاع منسوب مياه البحر وارتفاع درجات الحرارة إلى جانب النقص الفادح في نسب تهاطل الأمطار انعكاسات خطيرة على القطاع السياحي الذي يعتبر أيضا قطاعا حيويا وركيزة من ركائز الاقتصاد التونسي. حيث أن تلاشي مناطق من الشريط الساحلي سيؤثر على مردود القطاع السياحي. كما لتدهور القطاع الفلاحي انعكاس كبير على السياحة في تونس بسبب ضعف المحاصيل الزراعية وارتفاع أسعار المنتجات الذي سيساهم في تدهور الإقتصاد مما سينجر عنه تفاقم أزمة البطالة وغيرها من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
الطاقات المتجددة و عامل المناخ
في ظل تمتع البلاد التونسية بمناخ جاف نسبيا وحرارة قد تصل إلى 50 درجة مئوية في فصل الصيف خاصة في المناطق الجنوبية للبلاد، إلى جانب تمتعها بسواحل شمالية تمتد على مسافات طويلة وتطل على البحر المتوسط فإن هذا من شأنه مساعدة البلاد على الانتقال من دولة تعتمد على طاقات الوقود الأحفوري إلى دولة منتجة للطاقة المتجددة.
وقد يتطلب إنجاز مشاريع عمالقة مثل حقول تخزين الطاقة الشمسية أو توليدها بالاعتماد على الرياح توفر اعتمادات مالية ضخمة، فإن إنجاز مثل هاته المشاريع يعتمد أساسا على رغبة الدولة التونسية في تغير سياساتها البيئية. ولهذا وجب على الدولة التونسية رصد اعتمادات مالية لتعزيز إنتاج واستعمال الطاقات البديلة.
إن توسيع نطاق استهلاك الطاقات المتجددة خارج الاستعمال المنزلي الذي مازال في حدود تخزين الطاقة الشمسية من أجل تدفئة المياه، من مشمولات الحكومة والبرلمان التونسيين. على الحكومة الحرص على إدراج الشأن البيئي والمناخي على رأس أولوياتها والعمل على وضع سياسات بيئية تشمل الشأن الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي.
على الرغم من أن الدولة التونسية كانت قد وضعت خطة عمل لتعزيز الطاقات المتجددة والتي بدأ العمل بها سنة 2017 والمستمرة إلى حدود سنة 2030 حيث من المتوقع أن تغطي 30 بالمئة من احتياجات التونسيين، فإن مردود الحكومة التونسية يعتبر غير كافي بالمرة. حسب المواقع الرسمية فإن الدولة التونسية ومن خلال هذه الخطة ستعمل على توفير 17 بالمئة من الطاقة النظيفة مع حلول 2020. ولكن تبقى النتائج نسبية حتى يتم تقييم مردود هاته الخطة مع موفى هذا العام.
ويكون مصدر هذا الاحتراز والقلق حيال نوايا الدولة التونسية في الانتقال إلى الطاقات المتجددة ومدى جدية الحكومة الحالية والقادمة في الاهتمام بالشأن البيئي والمناخي، هو إعلان افتتاح حقل نوارة للغاز الطبيعي، والذي أعلنت الحكومة أنه سيساعد في تقليص نسبة العجز الطاقي، إلا أن هذا سيؤثر على التزامات تونس في التقليل من نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة حسب مخرجات اتفاقية باريس ومؤتمرات الأطراف المنعقدة على امتداد السنوات الخمس الماضية.
وإن كانت التزامات تونس ليست ملزمة قانونيا إلا أنها تعتبر ميثاق أخلاقي تجاه المجتمع الدولي بشكل عام وتجاه التونسيين والأجيال القادمة بشكل خاص. ومن المفترض أن تقلص تونس من حصتها في انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 41 بالمئة مع حلول سنة 2030. إن إفتتاح حقل نوارة يعكس الوضعية السياسية الهشة وتذبذب مواقف الطبقة السياسية وأحيانا انعدامها مما يؤثر على مسار الانتقال الى سياسات تهدف إلى بناء اقتصاد أخضر من شأنه حماية الأفراد والمجتمعات المحلية من انعكاسات التغير المناخي.
من بين مصادر إنتاج الطاقة البديلة الاخرى استعمال الكتل الحيوية للنخيل من أجل توليد الطاقة. في حين أن البلاد التونسية تمتلك ثروة واحية كبيرة تتمركز بالأساس في الجنوب التونسي فإنها قادرة على تحويل مخلفات النخيل إلى طاقة بديلة بإمكانها المساهمة في تقليص الاعتماد على الطاقات المتأتية من الوقود الأحفوري على الأقل في مناطق الجنوب. هاته العملية من شأنها أيضا أن تساهم في المحافظة على المحيط والتقليص من عمليات حرق مخلفات النخيل التي تساهم في تلوث الهواء.
وهذا يفتح الباب أمام مشاكل الإنتاج العلمي والتقني الموجه للقطاع البيئي والتغير المناخي والذي يبقى محدودا في ظل انعدام الموارد المالية وغياب تشجيع الدولة على البحث والإنتاج في مجال الطاقات البديلة والابتكار التكنولوجي. فإن العديد من الشبان التونسيين يجدون أنفسهم مهمشين وغير قادرين على على المواصلة في الابتكار والبحث بسبب تجاهل الدولة لمثل هاته الكفاءات.
أهمية الإرادة السياسية والوعي المجتمعي
يبقى مصير الانتقال إلى توليد، إنتاج واستهلاك الطاقات المتجددة رهين الاستراتيجيات العامة التي تضعها الحكومة التونسية. فلتغييب الشأن البيئي عن أولويات الحكومات المتعاقبة إلى جانب غياب الإرادة السياسية والمجتمعية لمجابهة التغير المناخي وتبعاته تأثيرات خطيرة على مستقبل البلاد.
التغيير يبدأ بخطوات بسيطة يتحمل المواطن التونسي أعبائها لكونه فردا يشكل مجتمعا يجب أن يكون واعيا بحقوقه البيئية، مجتمعا يهتم بحماية مصير الأجيال القادمة، ويعمل على مطالبة الحكومة الحالية والحكومات القادمة بوضع خطة عمل واضحة وناجعة للمحافظة على البيئة والقضاء على التلوث إلى جانب الاعتماد على الطاقات البديلة. على المواطن التونسي أن يكون مدركا أن لمطالبته بتوجيه السياسة العامة للبلاد نحو إعلان حالة الطوارئ المناخية تأثيرا كبيرا في المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في بيئة صحية ونظيفة. إن حق المواطنين في التمتع ببلد آمن من أي كوارث طبيعية والتي من شأنها أن تؤثر على حياته يجب أن يكون على رأس قائمة أولويات الدولة.
إن قوانين لا تطبق تبقى حبرا على ورق وإن انعقاد اجتماعات حول البيئة والمناخ داخل قاعات مغلقة يبقى دون تأثير إذ لم تكن هاته اللقاءات داخل قاعات التدريس، في الشوارع، في الإذاعات وفي القنوات التلفازية. مسيرة الميل تبدأ بخطوة وعلى الدولة والمجتمع التونسي أن يقوما بتلك الخطوة الآن، فالمجتمع الدولي سيواجه عقودا من التداعيات البيئية والانسانية الخطيرة والتي ستنعكس سلبا على التنوع البيئي وعلى المجتمعات والبلدان الأكثر تهميشا في العالم ومنها تونس.