بحسب النتائج الأخيرة التي قامت مجموعة بحثية في جامعة بازل بنشرها في مجلة (Neuron)، فإن الخلايا العصبية في الدماغ تقوم بتخزين جزيئات الـ(RNA) – الجينات الناسخة للـ(DNA)- من أجل القيام برد فعل سريع على المؤثرات، وهذا التخزين يسرع بشكل كبير من إنتاج البروتينات، وهو أحد الأسباب التي تمكن الخلايا العصبية في الدماغ من التكيف بسرعة خلال عمليات التعلم.
لا يعتبر الدماغ فقط الجهاز الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان، بل هو أيضاً الأكثر مرونة، ولكن كيف تقوم الخلايا العصبية في الدماغ بتكييف وظائفها للاستجابة للمنبهات في غضون فترة زمنية قصيرة جداً؟
أظهرت مجموعة بحثية بقيادة البروفيسور (بيتر سيفلي) في جامعة بازل، بأن الخلايا العصبية تقوم بتخزين مخزون احتياطي من جزيئات الحمض النووي الريبي ونسخاً من الحمض النووي، في نواة الخلية، وأن هذه الجزيئات من الحمض النووي الريبي تشكل مخططاً أساسياً لتوليد البروتينات الجديدة، فبعد حدوث التحفيز العصبي، تتأهب الجزيئات المخزنة من الحمض النووي الريبي من أجل ضبط وظيفة الخلايا العصبية، ولكن على اعتبار أن عملية توليد الحمض النووي الريبي (نسخ DNA) تعتبر بطيئة للغاية، وخاصة بالنسبة للجينات الكبيرة، فإن هذه الآلية المكتشفة حديثاً لتحفيز الحمض النووي الريبي المخزن توفر الوقت وتوفر رؤى جديدة عن التكيفية التي يقوم من خلالها الدماغ بالتكيف بسرعة أثناء عمليات التعلم.
تخزين جزيئات الحمض النووي الريبي:
يتم إنتاج المخطط الـ(RNA) الأساسي للبروتينات من خلال عملية نسخ متطورة، حيث يتم أولاً إنشاء نسخة (RNA) أساسية من الحمض النووي، ومن هذه النسخة، يتم اقتطاع مقاطع فردية، أو ما يسمى بالإنترونات، في وقت لاحق لتوفير مخطط أخير لإنتاج البروتين المحدد، وتسمى هذه العملية بربط الـ(RNA).
سابقاً، كان يعتقد بأن المنبهات العصبية تحفز عملية إنتاج جزيئات الحمض النووي الريبي الجديدة بالكامل، ومع ذلك، فقد اكتشف فريق (بيتر سيفلي) بأن الخلايا العصبية في الدماغ تقوم بعملية ما قبل التصنيع لبعض نسخ الـ(RNA) غير الناضجة التي لا تقوم سوى بعملية انقسام جزئي فقط، وأن هذه الجزيئات من الحمض النووي الريبي تحتوي على بعض الإنترونات التي يتم تخزينه في نواة الخلية، لتقوم بعد ذلك الإشارات الناجمة عن التحفيز العصبية باستكمال ربط جزيئات الحمض النووي الريبي غير ناضجة.
بحسب (أوريان موجر) المؤلفة الأولى للدراسة، فإنه يتم الإنتهاء من عملية نسخ الحمض النووي بالفعل في وقت سابق لإنتاجه عن طريق الخلايا العصبية، وبهذا ، يمكن إنتاج جزيئات حمض نووي ريبي ناضجة في غضون دقائق.
تحضير النسخ يوفر الوقت:
تشير (موجر)، بأنه وبالنسبة للجينات الكبيرة، تأخذ عملية إنتاج النسخة الأولية من الـ(RNA) عشرات الساعات، ولكن الحقيقة أن جزيئات الحمض النووي الريبي تكون متاحة بالفعل بشكل غير ناضج ولا تحتاج إلاّ للاستكمال فقط، وهذا يقصّر العملية برمتها لبضع دقائق، وبما أن عملية النسخ تستغرق وقتاً طويلاً جداً، فإن تخزين الحمض النووي الريبي يعني حفاظاً أكبر على الوقت، وهذا يتيح للخلايا العصبية أن تقوم بسرعة على تكيف وظيفتها.
تكشف هذه الدراسة عن آلية تنظيمية جديدة تماماً للدماغ، كما أن النتائج توفر لنا المزيد من المعلومات عن الكيفية التي تقوم فيها الخلايا العصبية بتحفيز عمليات اللدونة بشكل سريع.