لقد كان الخشب منذ الأزل من أولى المواد التي استخدمت في البناء، ولكن مع التطور العلمي والتقني الحديث تراجعت مكانته وذلك بابتكار مواد بناء جديدة كالإسمنت والفولاذ، وترافق هذا مع دراسات وبحوث كثيرة، أخذت الكثير من الوقت والجهد والمال لتطوير وتحسين عمل هذه المواد من أجل الحصول على أبنية سكنية ومنشآت صناعية وتجارية باشتراطات وظروف استثمارية جديدة اكتظت بها المدن الحديثة بمنشآت البيتون المسلح (الخرسانة) والمنشآت المعدنية.
إلا أن هذه المواد الحديثة لم تستطع رغم ما تتمتع به منشآتها من خصائص متميزة من إلغاء استخدام الخشب كمادة بناء أساسية، ففي الولايات المتحدة وأوروبا استمر حتى يومنا هذا استخدام الخشب في البناء وترافق هذا مع دراسات وبحوث أجريت من أجل تحسين وتطوير أدائه الإنشائي وهناك العديد من المنظمات العلمية في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها تقوم حتى الآن بوضع الدراسات والتفاصيل التصميمية للمنشآت الخشبية وتقوم بنشرها دورياً. في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق قال ياسين الغرير خلال مناقشته لرسالة الماجستير التي قدمها بعنوان «دراسة جدران الأبنية الخشبية لمقاومة القوى الجانبية» قدم خلالها الباحث أطروحته بمنهجية علمية رياضية وتحليلية مبيناً أهمية بناء المنشآت الخشبية ومؤكداً فوائدها الإنشائية والبيئية والاقتصادية إذا ما تم تطبيقها.
عبر من خلالها عن منهجيته وجرأته في التصدي لهذا الموضوع الجديد الذي لم يسبق أن تصدى إليه باحث من قبل في كلية الهندسة المدنية.
بيوت مقاومة للزلازل ذات أهمية اقتصادية
وعن أهمية البيوت والمنشآت الخشبية وميزاتها الهندسية قال الباحث إن الاهتمام العالمي بالخشب كمادة بناء أساسية مازال حتى الآن وهو في مرحلة تطوير مستمرة أسوة بمواد البناء الأخرى.
وعن سبب ذلك أشار الغرير إلى أن السبب لا يعود إلى توافر الخشب كمادة إنشائية فقط وإنما أيضاً لما تتميز به منشآته من ميزات لا توجد في غيره من مواد البناء (بيتون مسلح – معدن…) وهو ما يشجع بعض البلدان إلى الاستمرار في استخدامه وبذل المزيد من جهود البحث العلمي والنفقات المالية في سبيل تطوير أدائه الإنشائي، وتطرق الباحث إلى تعداد بعض هذه الميزات وقال: إن الخشب مادة ذات وزن حجمي منخفض مقارنة مع بقية مواد البناء، وهذا سينعكس بمقاومة أكبر للقوى الزلزالية من المنشآت الأخرى لكون هذه القوى ستنقص مع نقصان كتلة المنشأة المتناسبة طرداً مع وزنها الحجمي وستزيد بزيادتها
وأشار الغرير إلى أن الخشب يتميز بكونه مادة مرنة وهذا ما يعطيه مطاوعة بسلوكه تحت تأثير مختلف القوى والإجهاد، مشيراً إلى إمكانية إعادة تصنيع الأخشاب المخربة والحصول منها على عناصر إنشائية مقاومة، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من التقطيعات الصغيرة من خلال إعادة تجميعها والحصول على خشب يستخدم في التصميم الإنشائي له قيمه التصميمية وهذه ميزة اقتصادية وهندسية جدا مهمة. و حول إمكانية تنفيذ مشاريع منشآت خشبية في سورية قال الباحث الغرير إنه وفق ما هو سائد حالياً، فإن استيراد الأخشاب سيؤدي إلى الارتفاع في كلفة المنشأة الخشبية ويحد من انتشارها بين شرائح المجتمع السوري، ولكن إذا ما شجعت الجهات المختصة هذا القطاع بإزالة المعوقات فسيزداد الطلب على هذه المنشآت وستزداد المنافسة بين التجار المستوردين للأخشاب وهذا ما سوف يساهم في تخفيض كلفتها.
وأردف إنه في ظل ما نعيشه من بطء في تنفيذ المشاريع السكنية فإن تنفيذ هذه المنشآت وبتصاميم جميلة وبسرعات قياسية مقارنةً مع المنشآت البيتونية والمعدنية ستجعل المواطن السوري الذي ملّ انتظار الجمعيات السكنية ميالاً أكثر للمنشآت الخشبية، وفي هذه السرعة أيضاً استفادة من خلال عدم تجميد أموال المواطنين لسنوات طويلة في انتظار بيت الأحلام.
و إن توافر البيوت الخشبية سيخفف من الطلب على المنشآت السكنية الحالية وهذا ما سيؤدي إلى انخفاض قيمها العالية جداً، وبالتالي سيساهم إدخال هذه البيوت إلى السوق السورية في حل أزمة ارتفاع العقارات الحالية ومستقبلاً.
أثر تطبيق هذا النموذج على البيئة والطاقة
يتميز الخشب بعازلية طبيعية للحرارة ما يجعل البيوت الخشبية ملائمة لكافة فصول السنة الأمر الذي ينعكس مباشرةً على التوفير في استهلاك الطاقة صيفاً وشتاءً. وأكد الغرير أن المنشآت الخشبية هي منشآت صديقة للبيئة خارجة من رحم الطبيعة فالخشب هو المكون الأساسي لها وهذا ما يميزها بيئياً بكونها مكونة من مادة واحدة (الخشب) وبالتالي فهي ليست بحاجة لتصنيع ولن تستهلك مصادر طاقة كبيرة (فقط عملية نشر الخشب تتم باستخدام قليل للطاقة الكهربائية)، على حين أغلبية مواد البناء الأخرى نحصل عليها بعد أن يتم إعادة تصنيع عدة مواد أولية في مصانع مضرة بالبيئة بالسموم الناتجة عن عملية
التصنيع التي تترافق مع استهلاك كبير لمصادر الطاقة من مازوت وكهرباء وغيرها.
إضافة إلى إعطاء راحة نفسية لساكنيها- على حد تعبير الغرير- سواءً كان هذا من خلال شعورهم بكونهم في قلب الطبيعة أم حتى شعورهم بالأمان إذا ما حصل أي انهيار في المبنى فاحتمال نجاتهم هنا سيكون أكبر بكثير من حالة المنشآت الأخرى.