يتهافت الملايين من الناس على تناول المكملات الغذائية من الفيتامينات. إلا أن طبيب التشريح والجراحة كريس فان توليكين يرى أن العديد منهم يضيعون وقتهم في هذه الأمور وقد يلحق بعضهم الضرر بأنفسهم جراء الإفراط في اللجوء إلى تلك المكملات.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1912، بدأ فريق من ثلاثة رجال وستة عشر كلبا رحلتهم من قاعدة نائية تقع شرقي القارة القطبية الجنوبية لاكتشاف سلسلة من الأخاديد التي تقع على بعد بضعة مئات من الأميال.
وبعد ثلاثة أشهر من بداية تلك الرحلة، لم يعد سوى رجل واحد منهم يدعى دوغلاس موسون، وكان جلده آخذا في التقشير وبدأ شعره بالتساقط، وكان قد فقد نصف وزنه تقريبا.
وروى موسون تفاصيل هذه الرحلة التي وصفها السير إيدموند هيلاري فيما بعد بأنها “أروع قصة في تاريخ الاكتشافات القطبية التي نجا فيها فرد واحد فقط”.
فبعد شهر واحد من بدء الرحلة، انزلق أحد الرجال الثلاثة مع ستة من الكلاب في أحد الأخاديد مع الخيمة وأغلب المعدات التجهيزية الاحتياطية للرحلة، ولم يعثر لهم على أثر.
وبدأ موسون بعد ذلك وزميله خافيير ميرتز الذي نجا معه من ذلك الحادث رحلة العودة إلى القاعدة، وكانوا يتغذون فيها على ما تبقى معهم من الكلاب.
وبعد بضعة أسابيع، بدأ ميرتز يعاني من إسهال وآلام في المعدة، وبدأ جلده في التقشير وشعره في التساقط، ليلقى حتفه بعد عدة أيام وهو يعاني من سلس البول والهذيان.
فيما كان موسون يعاني أيضا من أعراض مشابهة، حيث تقشر باطن قدميه بطريقة بدت من خلالها طبقات الجلد في تلك المنطقة “متآكلة وغير ناضجة” حسب وصفه.
لذا، فقد كانت المعاناة التي عانا ها قدماء المستكشفين والبحارة هي الدافع لإجراء أولى الأبحاث والدراسات حول الفيتامينات والأمراض التي تصيب الإنسان جراء نقص تلك الفيتامينات لديه.
ومع إلقاء النظرة الأولى عليها، تبدو رواية موسون وكأنها تحكي قصة أخرى عن الجوع المقترن بنقص في المكونات الغذائية الضرورية.
إلا أنه وفي الحقيقة، فإن وصف موسون لأعراضه تلك ينطبق تقريبا على وصف أعراض تناول جرعة زائدة من فيتامين أ، وهو ما يبدو أنه حدث جراء تناوله كبد الكلب، حيث إن تناول أقل من 100 غرام من كبد كلب الإسكيمو قد يكون بمثابة جرعة قاتلة لمستكشف يتضور جوعا.
ومع أن موسون عاش بعد تلك الرحلة حتى بلغ 76 عاما، إلا أن قصته تلك تعطينا تحذيرا أن الفيتامينات قد تشكل خطورة على صحتنا.
ويتناول هذا التقرير كل ما عرفناه عن المكملات الغذائية من الفيتامينات خلال الأعوام القليلة الماضية.
فإذا ما كان الإنسان يتمتع بصحة جيدة ويعيش في بلد كبريطانيا، فإن تناول الأقراص متعددة الفيتامينات وجرعات زائدة من موانع الأكسدة قد يتسبب في قصر حياته.
ففي أغلب الأحيان وبالنسبة للغالبية منا، لا تكون تلك المكملات الغذائية من الفيتامينات صحية لنا، على الرغم من أن الكثير منا ينفق أموالا طائلة عليها، وقد يعتمد البعض عليها اعتمادا كبيرا بدءا من تقوية الشعر وحتى حياة الفرد الجنسية.
وأود أن أدخل في ذلك بشيء من التفصيل، فمن المؤكد أن الشركات التي تعمل على تصنيع تلك المكملات الغذائية من الفيتامينات لا تتفق معي في ذلك. فلماذا إذن نعتقد أن تلك المكملات مفيدة جدا لنا ومن ثم نتناولها؟
تعتبر الفيتامينات أمرا أساسيا في حياتنا، وهناك أعداد كبيرة من الناس -حتى في بريطانيا أيضا- يستفيدون من أنواع معينة من تلك المكملات الغذائية من الفيتامينات. إلا أن أقراص الفيتامينات العامة التي تظهر في السوق ولا تخضع للرقابة هي أكثر من أن تكون مجرد إهدار للمال.
وتكمن المشكلة في أننا نهتم كثيرا بالفيتامينات، ابتداء بالقصص المروعة التي نسمعها عن مشكلات النقص في الفيتامينات، ومرورا بقراءة ما يكتب على ظهر علبة غذاء الحبوب “الكورن فليكس” من قيم غذائية، وانتهاء بلينوس بولينغ، عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي الذي حصل مرتين على جائزة نوبل والذي كان يدعو إلى تناول فيتامين سي بجرعات كبيرة للغاية.
ويزيد الطين بلة من يبيعوننا تلك المكملات الغذائية من الفيتامينات في المتاجر ويسوّقونها لنا بتلك الفكرة الخاطئة التي تقول إنه إذا كان القليل من تلك الفيتامينات مفيدا، فمن المؤكد أن الإكثار منها سيكون أفضل.
وكنت ملمًّا بأسماء الفيتامينات غير المعروفة حتى قبل دراستي للطب بفترة طويلة، حيث كنت مولعا دائما بمتابعة أنواع حبوب الإفطار “الكورن فليكس” الصناعية ذات الألوان والنكهات المتعددة التي يجري التسويق لها باستخدام حيوانات الكرتون والتأكيد في تلك الإعلانات على كونها “غنية بالفيتامينات والمعادن”.
ويجب الاعتراف بأن حبوب الإفطار هذه الغنية بالفيتامينات والمعادن كانت واحدة من بين أهم التدخلات الشائعة الصحية تأثيرا في التاريخ، حيث إن لها تأثيرا إيجابيا واضحا حتى في أوروبا.
لذا، فعندما لا يكون على الإنسان أن يتناول كبد الكلاب في القطب الجنوبي، فإن النقص في فيتامين أ من الجسم يزيد وبشدة من مخاطر الإصابة بالعمى، ووفاة العديد من الأطفال متأثرين بإصابتهم بالحصبة والإسهال في الدول النامية.
ومن أجل ذلك، تنصح منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بأن تؤخذ جرعات محددة للغاية من ذلك الفيتامين، كما تحذر من أن زيادة الجرعات يمكنها أن تحدث تشوهات في الأجنة في المراحل الأولى من الحمل إلى جانب مشكلات صحية أخرى؛ لذلك، فإن الفيتامينات يمكن أن تحدث في بعض الحالات تغييرا كبيرا في متوسط العمر المتوقع.
وتسهم مثل تلك الأمور في وضع تصور عام لمدى فائدة الفيتامينات الصحية.
وسواء ما إذا كنت قد سمعت به أم لا، كان للينوس بولينغ تأثير كبير في ثقافة الفيتامينات والمغذيات، ومن المستحيل تخيل أن يكون هناك شخص آخر له سلطة أكبر أو مصداقية أكثر منه.
فقد ربح جائزتي نوبل، وكتب كتابا عام 1970 يرى فيه أن الجرعات العالية من فيتامين سي يمكن أن تكون مؤثرة في مجابهة أمراض الإنفلونزا والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، إلى جانب مشكلات العدوى والانتكاسات.
وكان بولينغ يتناول جرعات ضخمة من ذلك الفيتامين تفوق الجرعات المطلوبة بمئات المرات، وعاش إلى مرحلة متقدمة من العمر ليرى العديد من أحفاده حوله. كما كان هو بطل إعلانات الفيتامينات، وهو ما ساهم في نمو تلك الصناعة التي يدعمها الاعتقاد بأن تكميل تلك الجزيئات في نظامنا الغذائي أمر مفيد بشتى المقاييس.
إلا أنه وبدلا من الاعتماد على ما يقوله شخص واحد فقط، على الرغم من أن لديه مصداقية في ذلك، إلا أن علينا أن ننظر في نتائج الدراسات التي تعمل على فحص ما يحدث لمن يتناولون تلك المكملات الغذائية من الفيتامينات لفترات طويلة من حياتهم.
فالنظر في دراسة واحدة لن يكون من شأنها الإجابة على السؤال حول ما إذا كانت المكملات الغذائية من الفيتامينات مفيدة للصحة. فتلك الدراسات تركز بشكل مكثف على الخلفيات العلمية، وقد يكون من الصعب تسليط الضوء على تعارض المصالح ما بينها.
وللإجابة على ذلك، يجب علينا النظر في ما يعرف “ببحوث المراجعة المحكمة”، التي يقوم فيها علماء مستقلون بجمع كل البيانات المتاحة وإعادة تحليلها للإجابة عن الأسئلة الكبيرة.
مضادات الأكسدة
وقال اثنان من أولئك العلماء: “توصلنا إلى عدم وجود دليل يدعم تناول المكملات الغذائية المضادة للأكسدة من أجل وقاية أولية أو ثانوية من أي نوع من الأمراض. حيث يبدو البيتاكاروتين وفيتامين إي يساعدان في زيادة معدلات الوفيات، كما هو الحال أيضا مع الزيادة في الجرعات من فيتامين أ.”
وأضاف العالمان: “ومن الضروري أيضا أن تعتبر المكملات الغذائية المضادة للأكسدة منتجات طبية يجب إخضاعها للتقييم الكافي قبل عرضها في السوق.”
وتعتبر تلك المكملات تركيبات لمنشطات حيوية قوية، إلا أنه لا تخضع لإجراءات تنظيمية مشابهة لتلك التي تفرض على الأدوية، حيث ينبغي أن يكون هناك بيان تحذيري على العلبة، إذا ما كانت هناك بيانات تقول إن تلك المكملات ضارة لنا.
أما السؤال التالي فيدور حول السبب وراء كون تلك المكملات ضارة على صحتنا.
فمن الصعوبة بمكان أن نقوم بتحليل البيانات الموجودة لتلك المكملات، ويرجع السبب في ذلك بشكل جزئي إلى أن الفيتامينات تمثل مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية.
وسأضع ما يطلق عليه الناس كلمة “المعادن” ضمن تصنيف “الفيتامينات”، فهي مطلوبة لأن تكون ضمن النظام الغذائي ليس للإمداد بالطاقة، بل لتقوم بالوظائف الكيميائية للإنزيمات في عملية الأيض في الجسم، وإنتاج الخلايا وإصلاح الأنسجة وغيرها من العمليات الحيوية الأخرى.
كما أن ثمة علاقة تربط ما بين فيتامين أ وزيادة الإصابة بسرطان الرئة عند المدخنين. فزيادة الزنك له علاقة بتراجع وظيفة المناعة. كما توجد علاقة بين طول فترة الافراط في تناول المنجنيز وحدوث اعتلالات في العضلات والأعصاب عند كبار السن.
ويصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما يتعلق بتناول مزيج من كل شيء في حبة دواء واحدة. فعلى سبيل المثال معادن مختلفة تتنافس فيما بينها من أجل الامتصاص. فلو حدث وتجرعت كميات كبيرة من الكالسيوم فلن تكون قادرا على امتصاص الحديد. واذا تجرعت كميات كبيرة من الحديد فلن تكون قادرا على امتصاص الزنك. واذا تناولت فيتنامين سي، فسيؤدي ذلك الى خفض مستوى الحديد.
ولا تكمن خطورة الأمر في الافراط في تناول كميات كبيرة من شيء واحد، بل قد يؤدي إلى تراجع خطير لشيء حتى لو كان الامر بالنسبة لك مجرد جرعة تكميلية.
لكن متى يوصى الأطباء بتناول عقار تكميلي؟ يوصي المعهد الوطني للتفوق الصحي والسريري بتناول مكملات لبعض الفئات من الناس يعانون من خطر القصور في اداء الوظائف من بينها:
- حمض الفوليك بالنسبة لجميع السيدات اللائي يفكرن في الانجاب والحوامل حتى الأسبوع ال12 من الحمل.
- فيتامين دي بالنسبة للحوامل والأمهات اللائي يرضعن أطفالهن والأطفال من سن ستة أشهر وحتى خمس سنوات، وأولئك من سن 65 عاما وكذا أولئك الذين لا يتعرضن للشمس كثيرا – على سبيل المثال ممن يغطون جلودهم لدواعي ثقافية، أو من لا يبرحون منازلهم لفترة طويلة من الوقت.
- وأخيرا يوصى بتناول جميع الأطفال لمكمل يحتوي على فيتامين أ و سي و دي من سن ستة أشهر الى سن أربع سنوات. وهذا لدواعي الحيطة من احتمال أن يكون نمو الأطفال غير كاف، لاسيما أولئك ممن يأكلون نظاما غذائيا متنوعا.
كما يمكن أن يوصي الطبيب المعالج بتناول مكملات إن كنت بحاجة لها لدواعي طبية. فإن قررت تناول مكملات، فعليك الالتزام بالجرعات الموصى بها، إلا إذا كان لديك توجيه اخر من خبير تغذية معتمد رسميا يوصي بزيادة الجرعة. وإن كان لديك بعض الشكوك في مستويات الجرعات، فعليك استشارة خبير تغذية معتمد رسميا.
المصدر: بي بي سي عربي