حين يمطرنا الإعلام الغربي بعدة مواضيع إعلامية ( مقروءة / مسموعة )، حول الثورة المصرية –مثلا- ليبرهن لنا أنها بفعل شباب متمرد يتلقى أوامره من الإخوان المسلمين للسيطرة على البلاد, تكون النتيجة أن القارئ أو الملتلقي ( الساذج والسطحي ) يغير أفكاره و آراؤه حول هذه القضية, فيصبح الشباب الحر(إرهابيون)، و النظام الجاثم على الصدور ( عون للشعب والأرض ) !! و من هنا وسائل الإعلام تمتلك القدرة على تغيير نظرة الناس إلى الحياة عامة و إلى العالم من حولهم من خلال تغيير مواقفهم و آرائهم اتجاه القضايا, و بالتالي يتغير حكمهم عليها. تغيير المواقف والآراء لا يقتصر على القضايا السياسية أو الأمور العالمية، بل و أيضاً على المستويات الشخصية فيشمل القيم و العادات والتقاليد, فكثير منا قبـِل بأفكار و مبادئ منافية لتلك التي كانت راسخة فيما سبق و كانت موضع استهجان كثير منا. إن السبب ليس هشاشة ثقافتنا, أو إمعة شعبنا، و لا في المقتنيات الحديثة، و إنما تعرضنا لسيل جارف لا ينقطع من العلومات المضادة، و الأفكار المختلفة، و الآراء المتناقضة و المفاهيم الأخرى التي لا تنطبق مع السلوك العام لمجتمعاتنا. لكننا نواجه واقعاً يستهدف الحلقة الأضعف في مجتمعاتنا ( الأطفال, الشباب، و الفتيات ), فتعمل على تجفيف المنابع الأخلاقية، عدا عن الحملات الغرائزية و الشهوانية التي تقودها وسائل الإعلام، إضافة إلى ضعف الدور التربوي في المنازل و المدارس و الذي يكسب هذه الحلقة حصانة و مناعة ضعيفتان ضد هذه الحملات. فعملية تغيير الآراء أو المواقف اتجاه قضايا, أفراد، أو حتى سلوكيات اجتماعية ، مسببها الرئيسي هو الإعلام و هو صاحب هذا التحول الكبير في حياة الكثير منا, فمن خلال السيل اللا منقطع من المعلومات التي تبث من خلاله ( صحيحة/ مشوهة ), يكون الفرد رأيه من الجمهور. فكل فرد منا، يبني حكمه و رأيه على ما يدور أمامه من خلال الأدلة و المعلومات المتوفرة، و من هنا اكتسحت الرسائل الإعلامية مساحة عظيمة من خلال نفوذها القوي على العقول عن طريق بثّها (المعلومات)، و بالتالي آراؤنا و أحكامنا على الأشياء. إن وسائل الإعلام, اصبحت ذات تأثير قوي علينا لأنها باتت كحالة إدمانية, والنتيجة المتوقعة لهكذا إدمان على (مصدر واحد) دون وعي, هي فهم كل الأمور بطريقة واحدة، بوجهة نظر واحدة, بغض النظر إن كانت صواباً أو خطأ. و هذا التغيير الذي تقوم به وسائل الإعلام يطلق عليه (التغيير المعرفي), و الذي هو أشد تعقيداً من (التغيير الموقفي), فالأخير يكون أمام حالة طارئة، لفترة معينة من الزمن يزول بزوال المؤثر و مسببه. أما التغيير المعرفي, فالتعريف الأبسط له هو التغيير في المعرفة أو المعلومات المكتسبة و التي تشمل العقيدة، السلوكيات، و المبادئ, تكون عن طريق التعرض الطويل لوسائل الإعلام كمصدر وحيد للمعلومات المكتسبة, فتقوم ( على المدى الطويل) بإزالة أصول المعرفة القديمة، ليحل محلها أصول معرفية جديدة مكتسبة، تخالف ما كان لدى الأفراد, فتؤثر كل التأثير على المعتقدات, و العادات و التقاليد. فمثلا: الحلال و الحرام تم اكتسابهما عن طريق العلم بهما, من خلال المعلومات التي وصلتنا و تأثرنا الطويل بها. و إن ذكرنا على سبيل المثال دور المراة في الإسلام, و كيف يمكنها أن تؤثر في مجتمعها هو أصل معرفي قديم, و ما يبثه الإعلام حاليا عن أن المرأة المؤثرة في مجتمعها متحررة من قيودها، و أن المرأة القوية , هي تلك التي لا تلتزم بالضوابط, و أن المرأة الجميلة، هي التي تستغل جسدها, فهذه جميعها تعمل على اكساب المتلقي أصول معرفية جديدة, تحل محل الأولى بالتأثر الطويل بها و التي تعد كمغريات و عروضات تأتي للمتلقي على دفعات جزئية أكيدة المفعول.! ما سبق ليس إلا مثالا بسيطا على عملية التغيير المعرفي، في حين أن الأمر أكثر تعقيدا, فيجب أن يتوافر إلى جانب ضخ الإعلام لتلك المعلومات المهولة عوامل أخرى مثل: شخصية الإنسان، بنيته الإجاتماعية، ثقافته، منصبه، مدى تأثره بالأخرين، و ثقته بالمعلومات المكتسبة. و صدقا وسائل الإعلام تستطيع أن تحدث تغييراً هائلا في المجتمعات إذا ما جعلت هذه العوامل تدور في فلك واحد بتناغم و انسجام، فتعجّل من عملية التغيير المعرفي المنشود.