عادةً ما يقال لنا بأن مستقبل الطب سيكون تخصصياً, حيث سيتم علاجنا عن طريق مورثاتنا, أو سيكون لدينا تكنولوجيا يمكن ارتداؤها لمراقبة المؤشرات الحيوية لدينا, وحتى أطباء من الروبوتات يقومون بتشخيص أمراضنا.
إلا أن الوعد الحقيقي الذي يقدمه لنا الطب التخصصي أنه لن يتمحور حول أحد ما بعينه, حيث أن السعي للتحسين من الرعاية الصحية لشخص ما, سيعني أن نقوم بأخذ ما نعرفه عن الجميع, وإدخال تلك المعلومات في نظام أكثر تخصصاً.
الفكرة تقوم على الجمع بين المعلومات الكثيرة المتوفرة في قواعد البيانات عن المرضى وإدخالها بنظام محاكاة على الكومبيوتر – مثل المحاكاة التي يستخدمها المهندسون لتصميم نماذج افتراضية للطائرات مثلاً- والهدف من ذلك ليس الوصول إلى تشخيص المرض الذي يعاني منه الشخص فقط, بل أيضاً توقع أفضل نوع من العلاجات لحالة الشخص.
هذا هو محور اهتمام شركة (Dassault Systèmes) وهي شركة برمجيات فرنسية, تقوم باستخدام مجموعة واسعة من المعلومات لخلق نظام محاكاة على مستوى الخلايا لمختلف حالات المرضى, وبعبارة أخرى, بصنع نماذج لما حدث من قبل لمرضى كان لديهم الأعراض ذاتها, وبذلك يصبح لدى الأطباء فكرة ممتازة لما قد يحصل فيما إذا قاموا باستخدام علاج معين مع أحد المرضى, حيث أن نظام المحاكاة يأخذ بعين الاعتبار عمر المريض, ووزنه, وجنسه, وفئة دمه, وعرقه, وأعراضه الخاصة, وأي مؤشر حيوي آخر, فإذا نحن نتحدث عن مستوى من الدقة يتخطى جميع الكتب أو دراسات الحالات.
وبحسب قول (برنارد تشارليز)، الرئيس التنفيذي لـ SystèmesDassault أن الشركة تحاول أن تستخلص من بيانات المرضى خصائص معينة, يمكن أن يتم بناءاً على هذه الخصائص تكوين نموذج نظري يستخدم فيما بعد للتحقق من صحة المحاكاة ومعايرة نتيجتها، وتعد مرحلة المعايرة هي المرحلة الأهم, لأنه كلما زادت البيانات التي يمتلكها المهندسون, فإن نظامهم سيكون أذكى, وفي حال أصبح نظام المحاكاة نظاماً معتمداً عليه لمحاكاة ما يحدث على المستوى الخلوي, سيكون بالإمكان استخدامه لعلاج المرضى, إضافةً لتجربة الأدوية والأجهزة الجديدة.
حالياً فإن شركة Dassault Systèmes تعمل على تصميم محاكاة تمثّل انتشار الكولسترول في الخلايا البشرية, وتعمل أيضاً على بناء نماذج لخلايا سرطانية.
ويشير (تشارليز) إلى أن التحول إلى المحاكاة السريرية الظاهرية – أي تجربة العلاجات باستخدام الكومبيوتر عوضاً عن تجربتها على المرضى – سيوفر المزيد من العلاجات بشكل أسرع وأقل كلفة, كون طرح العلاجات الجديدة يستغرق بالعادة من 10 إلى 12 سنة من الاختبارات, بالإضافة لنفقات قد تصل لأكثر من مليون دولار, وحتى عندما تتم الموافقة على الدواء من قبل ادارة الاغذية والعقاقير أو الهيئات الحكومية الأخرى، فإنه عادةً ما تكون استجابة المرضى لهذا الدواء لا تتعدّى الـ 50٪.” فلا يوجد علاج واحد يمكن أن تستفيد منه جميع الحالات ، فلماذا يتم انفاق كل هذه الأموال على دواء واحد؟
في النهاية، فإن السؤال الأهم هو متى سيغير نظام المحاكاة من طريقة الحصول على العلاج الطبي, الجواب هو أن الموضوع بحاجة إلى بعض الوقت, فالحصول على معلومات تكفي لتكوين نظام محاكاة يمكن الاعتماد عليه, يتطلب تحولاً في الثقافة الطبية نحو الانفتاح وتقاسم الموارد – وخاصة بين شركات الأدوية المتنافسة – على مستوى العالم.