أصبح تحفيز المخ على مدى العقود الماضية محور اهتمام ودراسة متزايد الأهمية كونه الاختيار في علاج عدد من الحالات النفسية والعصبية، ونستطيع عمله بطريقتين: الطريقة المخترقة للنسيج وطريقة غير مخترقة، ويحدث تحفيز المخ عبر استهداف مواقع محددة لتعديل نشاط الدماغ وتقنية الاختراق الأشهر هي التحفيز العميق للدماغ الذي يتطلب إجراء عمليةٍ جراحية لإقحام الإلكترود وقد وافقت عليه وكالة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج مرض باركنسون والارتعاش مجهول الأسباب.
وهناك التقنيات غير المخترقة للمخ مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة والتي يمكن إدارتها من خارج رأس المريض، وهذه التقنية أصبحت معتمدةً الآن في علاج الاكتئاب.
ويُمكنُ أن ينتُجَ عن تحفيز المخ فوائد عظيمة لدى المرضى الّذين يُعانُون من هذه الاضطرابات بالإضافة إلى تشجيع الباحثين الآخرين لمعرفة ما إذا كانت هذه التقنيات يُمكنها المُساعدة في علاج مشاكل أخرى أم لا.
لكن في كثيرٍ من الحالات ظلّت مواقع التحفيزِ هذهِ في الدماغ غامضة، فما هي النقطة الأفضل في الدماغ لتحفيزها لعلاج مريضٍ أو مرضٍ مُعين ؟!
خلال هذه الأيام أجرت الأكاديميةُ الوطنيّةُ للعلوم دراسة جديدة ساعدتنا في الإجابة على هذا السؤال! فقد أشارت النتائج التي وصل إليها الباحثون في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي إلى أنّ شبكات الدماغ -وهي الاتصالات التي تربط الدوائر الكهربائية للمخّ بعضها ببعض-يُمكنها أن تفيد في تحديد مواقع التحفيز في الدماغ.
ويقول أحد الباحثين أنه على الرغم من أن هناك تقنيات مختلفة لتحفيز المخ يتم تطبيقها في عدة أماكن مختلفة إلا أنهم وجدوا أن النقاط المختلفة التي نستهدفها لعلاج مرض واحد هي عقد على نفس الشبكة المخ.
ومعرفة هذا سوف يكون له تأثير على كيفية تطبيقنا لتحفيز المخ، فمثلاً عندما تريد علاج مرض باركنسون أو الارتجافات مجهولة السبب بواسطة تحفيز المخ تستطيع إدخال الإلكترود إلى المخ مباشرة وحصد الأثر العظيم لكنك لا تستطيع أن تنال نفس التأثير باستخدام تقنية غير مخترقة لأنك لا تستطيع الوصول لعمق الدماغ الذي تستطيع أن تصله في الأولى، لكن الذي عرفناه أنه بفضل شبكة الاتصالات في المخ فإنه يمكننا أن نستثير نقطة على السطح تتصل بالنقطة العميقة، فيصبح الأمر كأننا أثرناها هي نفسها، والدماغ يتكون مما يشبه الدوائر الكهربية التي تتصل ببعضها عن طريق روابط مكونة شبكة اتصالات الدماغ، الأمر يشابه حين تذهب لمجموعة من المباني المختلفة التي يربط بينها الرصيف الجانبي مثلاً.
في هذا البحث أجريت أول عملية بحث على نطاق واسع لتحديد جميع الحالات النفسية والعصبية التي سجلت تحسناً بالتحفيز المقتحم أو اللا مقتحم للمخ، وكشف عن وجود 14 حالة: الإدمان، الزهايمر، فقدان الشهية، الاكتئاب وخلل توتر العضلات، الصرع والارتجافات مجهولة السبب، مشاكل المشية، مرض هنتنغتون، حالات الوعي المنخفض للأدنى، الوسواس القهري والألم ومرض باركينسون ومتلازمة توريت، ثم قاموا بتسجيل نقاط التحفيز القريبة من السطح والنقاط العميقة التي اعتقدوا أنها فعالة لتحفيز الأربعة عشر مرض.
وللتأكد من هذا الاستنتاج قام الباحثون بتصوير المخ بالرنين المغناطيسي أثناء أدائه لنشاطه العادي، وأمكن لهم أن يتتبعوا الارتباطات وقاموا بتكوين خريطة للاتصالات بين نقاط التحفيز العميقة وسطح المخ الذي يمكن للطرق اللا مخترقة أن تؤثر عليه، ويقول أحد الباحثين أنه يمكن إذا نجح واحد فإنه يمكن أن يفيدنا في علاج البقية.