دائما وابدا يسعى الانسان الى أن يصل الى ما يبغى فى أسرع وقت وبأقل جهد مع أقل تكلفة مادية، هذا هو الواقع الذى فرض نفسه على الطبيعة البشرية منذ بداية نعومة أضافر الانسان. ولكن هذه الأمنية لم تخرج عن كونها أمنية تكاد لا يصل اليها الكثير من البشر، بحجة قلة الأمكانيات وما الى غير ذلك من أسباب واهية نسجت خيوطها العنكبوتيه على أبواب غرف مظلمة غاب عنها الفكر وروح المثابرة و غلب عليها السعى وراء كل ما هو سهل. غاب التخطيط الحقيقى للواقع ولم يترك الماضى أى أثر لأى عظة أو عبرة ترشد العقول التى غيبتها النفوس الحاقدة وطغت عليها القلوب الممتلئة بالطمع وأغلقت مسامعها بأغانى الشيطان المهلكة للوقت الذى أضاع العمر دون فائدة. وعلى الرغم من كثرة اعداد فاقدى الأمل، وتفاقم ضجيجهم وازدياد عبثهم وفسادهم فى الأرض، كان لابد من ظهور شعاع نور من بعيد على يد قلة قليلة من المجتهدين الذين وهبوا أنفسهم للعلم. غاص هؤلاء العلماء فى بحور من نور، واجتهد كل واحد منهم على قدر طاقه محاولا أن أن يستل ولو ومضة بسيطة من علم قد يستفيد به الكثير من من غابت عقولهم وراحوا لا يبغون غير مصالحهم. عكف الكثير من هؤلاء العلماء على توفير الطاقة وتعظيم الاسفادة منها، وهم فى سعيهم وفى اجتهادهم كانت مقاومة الاشياء تمثل أكبر عائق لهم، عائق أفقدهم الكثير من الطاقة التى تم توفيرها، هذا عندما ارادوا شحنها فى بطاريات متعددة كبطاريات الهاتف. فقد فى الطاقة لازمهم أيضا عند نقلهم لهذه الطاقة، وبقدر الفقد كان السعى والاجتهاد والتفكير والمثابرة فى العمل على تقليل مقاومة ا لأشياء القائمة فى مقاومة المادة، هدف نبيل وسعى ابتغى تذليل الصعاب وتمهيد الطريق أمام الطاقة لتسير على الدرب دون أن تعانى أى تعرجات هنا أو هناك. فمن زمن بعيد وهؤلاء المتلاعبين بأوقاتهم يلعبون ويستمعون الى أغانيهم الفاسدة المفسدة، و على الجانب الأخر نجد هؤلاء العلماء يروضون المقاومة ويحاولون وأدها فى مهدها. واذا بطاقة من نور تلوح فى الأفق عندما أوردت لنا صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن علماء أميركيين أنتجوا أول مادة “تقضي على فقدان الطاقة مع تحرك الكهرباء على طول السلك”، الأمر الذى يعد “اختراقا علميا” قد ينتهى بانتاج بطاريات تدوم فترة أطول وشبكات طاقة ذات كفاءة أعلى. حيث تم اكتشاف مادة جديدة تقوم بنقل الكهرباء دون مقاومة مع انخفاص كل من درجات حرارة والضغط. تطويع محمود وسلوك طيب من اختفاء ملحوظ لمقاومة استسلمت فى نهاية الأمر وبعد حروب طويلة استهلكت الكثير من الوقت والجهد والمال. هذا استنادا الى أن مجموعة من الباحثين في جامعة روتشستر الأميركية، تحت إشراف العالم رانجا دياس، قد ابتكرت موصلا فائقا جديدا يمكنه العمل في درجة حرارة عادية وضغط أقل بكثير من المواد فائقة التوصيل التي تم اكتشافها سابقا وكانت تحتاج عادة إلى تعريضها لضغط شديد والى تبريد شديد (حوالي 320 درجة فهرنهايت تحت الصفر) . هذا الابتكار الهام والفريد من نوعه قد تم نشره فى مجلة “Nature” العلمية، والتى جاء فيها أنه قد تم تعديل تصنيع الموصل الفائق، بإضافة النيتروجين ومعدن أرضي نادر يعرف باسم اللوتيتيوم إلى الهيدروجين بدلا من الكبريت والكربون. وقد أطلق على المادة الناتجة اسم “المادة الحمراء”، بعد ملاحظة كيف تغير لون المادة من الأزرق إلى الوردي إلى الأحمر عند ضغطها. ومن هنا قد لاح فى الأفق ثمار جهود العلماء الذين يعملون بكل جد واجتهاد للانتقال بمؤسساتهم من الاقتصاد القائم على الموارد الى الاقتصاد القائم على المعرفة. وقد يتجلى اقتصاد المعرفة فى هذا الابتكار وفق ما ذكرته صحيفة “إندبندنت “فى انه أصبح من الممكن انتاج شبكات طاقة قادرة على نقل الطاقة بسلاسة، مما سيوفر لنا ما قد يصل إلى 200 مليون ميغاواط يتم فقدانها حاليا بسبب المقاومة المهزومة الأن، كما أنه من الممكن حدوث عملية الاندماج النووي، هذه العملية التى طال انتظارها والتى من الممكن أن تؤدى الى انتاج طاقة غير محدودة، إضافة إلى استغلالها في القطارات عالية السرعة والمعدات الطبية“. وكأن لسان حال عالمنا الأن يحدثنا وبما لا يدع أى مجال للشك أن اكتساب المعلومات واستثمارها فى التكنولوجيا (الصناعية- الزراعية – البيئية………….الخ) يؤدى بنا لا محالة الى تحقيق التنمية وخدمة المجتمع. انها المعرفة الفنية والابداع والذكاء الموجه المؤدى الى اقتصاديات المعرفة التى شكلت حوالى 7% من الناتج المحلى العالمى، وحوالى 10% من النمو السنوى لاقتصاد المعرفة عالميا، وحوالى 50% من نمو الانتاجية فى الاتحاد الاوربى.