يعتبر الأداء الوظيفى بصوره وأشكاله المختلفة، حجر الزاوية بل واللبنة الأولى فى تقدم وتطوير كافة المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية. ولأن الأداء الوظيفى هو القوة الدافعة لمختلف مناحى الحياة، كانت المفاهيم المختلفة والمتعددة لهذا الأداء والتى كان منها أن ” الاداء هو قيام الفرد بالأنشطة والمهام المختلفة التي يتكون منها عملة ويمكن التمييز بين ثلاث أبعاد أو معايير يمكن من خلالها أن يقاس الأداء وهذه المعايير هي : كمية الجهد المبذول ؛ نوعية الجهد ؛ نمط الأداء؛ فكمية الجهد تعني مقدار الطاقة الجسمانية أو العقلية التي يبذلها الفرد في عمله خلال فترة زمنية محددة “. كما أنه يمكن حصر الكثير من مفاهيم الأداء فى أنه هو : السلوك الذي يقوم به الفرد في المؤسسة التي يعمل بها بالطريقة الصحيحة والسليمة مراعيا في ذلك الفاعلية والكفاءة في العمل. ولكى يكون هذا السلوك فعالا وسليما وعلى درجة عالية من الكفاءة لابد من مزجه ببعض من الثقافة القانونية وذلك للحصول على كمية وناتج أداء يتناسب مع التطور السريع والمتلاحق خصوصا فى عصر العولمة الحالى.
ولأن الثقافة القانونية لا تعنى بالضرورة المعرفة الكاملة لنص قانونى جامد أو للائحة صامته ولكنها تهتم دائما بتبسيط المعلومة القانونية للقارئ والمستمع العادى فى ثوبها البسيط التكلفة و الحسن المظهر والذى يجب أن يسر الناظرين بل وترغبه وتسعى اليه القلوب قبل العقول. ولأن الثقافة القانونية أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة، كان من الضرورى تناولها على كافة الموائد الوظيفية، ولن نكون مبالغين عندما نقول أن هذا النوع من الغذاء النفسى والجسدى أيضا يجب أن يكون على كل مائدة من موائد الحياة. فكل علاقات الفرد والمجتمع لن تخرج عن أطر قانونية صاغها المشرع فى كلمات استوجبت من العاملين فى مجال نشر الوعى والثقافة القانونية أن يصلون بها الى المرحلة النانوية التى وصل اليها علماء علوم وتكنولوجيا المواد.
ولما كان لكل شئ نوع، كانت للمعرفة القانونية أنواع اندرجت تحت مسميات وأنواع مختلفة كانت كالتالى: المعرفة الظاهرة والضمنية، والمعرفة النظرية والتطبيقية، والمعرفة المتخصصة والشاملة، وأخيرا المعرفة الفردية والمؤسسية. ولأن المعرفة هى الكنز الذى لا يفنى ويجب استثماره وتعظيم الاستفاده منه، كان لزاما على الفرد والمجتمع أن ينهل من الأنهار المتدفقة للعلوم القانونية ويروى ظمأه ويزيل خوفه منها ويخترق هذا الحاجز الحائل الذى اصطنعه بيداه ليكون مثقفا فى هذا المجال ومن ثم سيرتفع اداؤه الوظيفى لاستقرار نفسه ووقوفه على كل ما يجب عليه من واجبات قبل أن يعرف كل ما له من حقوق. فالثقافة القانونية التى هى فى الأصل نوع من أنواع المعرفة القانوينة سوف تؤدى الى الوصول الى الاقتصاد المعرفى المؤدى بدوره الى الدخول وبقوة فى عصر العولمة القائم على وجود السوق العالمى المشترك الذى لا يستمر فيه الا الأقوى استفادة من الاقتصاد المعرفى. فالقدر المناسب من الثقافة أو المعرفة القانوينة الذى يجب أن يتوافر لدى أفراد المجتمع يؤدى بدوره الى زيادة ادراك وتقدير افراد المجتمع لأهمية القانون والنظام فى المجتمع ومن ثم ادراكهم لكافة حقوقهم والتعرف على المسئوليات المنوطة بهم والتى سوف تؤدى الى تكوين مواطنا عصرى مشبع بمفهوم دولة القانون والمؤسسات.
فالثقافة القانونية القائمة على المعرفة ليست معرفة التشريعات والنصوص القانونية كما لا تعنى تلك المناقشات النظرية والندوات القانونية التى يتناولها رجال القانون المتخصصين والتى كثيرا ما تبدو خارج الاهتمام المباشر للمواطن أو الموظف، ولكنها فى الحقيقة هى درجة الوعى القائم على إستيعاب المواطن لكل مايدور حوله من علاقات ومفاهيم وأهداف من خلال تصورات قانونية سليمة ومن ثم رفع المستوي الثقافي والمعرفي للمواطن والموظف ليكون قادرا علي إستيعاب القانون وتقبل أوامره ونواهيه بشكل صحيح، بل ويتبني القانون ويجعله قيمة عليا يدرك أبعادها ويسعي لتطبيق موجباتها (المركز العربى للوعى بالقانون، 2012 ص 79).
وتطبيقا لمبدأ أنه يجب على الفرد ان يعرف شئ عن كل شئ، فانه يجب على المواطن أو الموظف أن يتحلى بثوب الثقافة القانونية القائمة على الوعى به وادراكه ادراكا جيدا على الأقل فى كل ما يخص علاقاته مع المجتمع والمؤسسة التى يعمل بها. وتطبيقا أيضا لما جاء به المشرع من ضرورة المام المواطن والموظف بالأطر القانونية التى يعيش بين أضلاعها وذلك اعتمادا على القاعدة الثابته التى تفيد بأن الجهل بالقانون لا يعفى من المسئولية وأنه لا يعتد بهذا العذر فى حين أنه قد يكون من المقبول الأخذ بهذا العذر فى أى نوع من أنواع الثقافات الأخرى غير الثقافة القانونية كالثقافة الطبية أو الهندسية………….ألخ.
وغالبا عندما تتوافر مقومات الثقافة القانونية القائمة على الوعى والادراك به، فسوف ترتفع قدرات ومهارات المواطن أو الموظف ومن ثم رفع درجة الأداء الوظيفى التى سوف ترتقى بنا الى تحقيق ما نصبو اليه من اقتصاد معرفى وخوض السباق العالمى للعولمة.