يعد الغزو الذي شنّته قوات الحلفاء (أميركا و بريطانيا وكندا) على نورماندي في السادس من حزيران عام 1944 إبّان الحرب العالمية الثانية, أكبر غزو في التاريخ, والآن وبعد مضي 70 عاماً على ذلك الغزو, يبدو أننا نسينا معظم التقنيات الهندسية التي جعلت الغزو ممكناً, إلّا أن شركة (Dassault Systèmes), للتصميم ثلاثي الأبعاد، على وشك أن تقوم بتطبيق أدوات الكومبيوتر المعاصرة، والتي يستخدمونها لتصميم الطائرات والسيارات الحديثة, لإعادة إحياء الماضي, حيث أنه تم إعلان بداية هذا المشروع الطموح في 6 حزيران من هذا العام, وتأمل الشركة أن تكون بحوزتها جميع المعدات التي تم استعمالها في الغزو بحلول عام 2019, أي ما يصادف الذكرى السنوية الـ 75 للغزو.
كان السبب الرئيسي في اعادة تصميم تلك الآلات القديمة, لكون الهندسة التي تم إنتاجها تحت ضغوطات تلك المرحلة قامت بتغيير مسار التاريخ, فبحسب تعبير (مهدي تايوبي)، نائب الرئيس بشركة (Dassault Systèmes) أن العالم كان وقتها يعيش في كابوس وكان الحل في إزالة ذلك الكابوس, لذلك كان المهندسين وقتها يعملون ليجعلوا الحلم حقيقة ويخرجوا العالم من الكابوس.
قام الفريق باختيار ثلاثة أنوع من التكنولوجيا التي كانت مستخدمة حين الحرب لإعادة تصنيعها رقمياً, اثنان منها كانت مهمتها إيصال الجنود إلى أرض المعركة، حيث كانت الأولى هي الطائرة الشراعية (واكو CG-4A هادريان)، التي حملت الجنود إلى المعركة بصمت وراء خطوط الدفاع الألمانية، أما الثانية فهي قارب (هيغنز)، الذي حمل القوات من السفن الى الشاطئ في يوم الحسم وسمح لهم باقتحام الشواطئ مباشرةً, أما ما تبقى من معدات فهو حالياً تحت المياه, حيث أنه بدأ بالتآكل بعد مضي 70 عاماً عليه وهو تحت الماء, وحسبما أشار (تايوبي) أن وقتها كان كل شيء مصنوع من الخشب أما الآن فلم يعد يوجد في العالم قارب هيغنز أصلي 100%, وحتى السفن الكبيرة في المياه بدأت تختفي, وإذا ما انتظرنا حتى الذكرى المئة للغزو, أي بعد 30 عاماً من الآن, لن نستطيع إعادة تصنيع نماذج رقمية لهذه المراكب، كونها ستكون قد تلفت بذلك الحين.
أما التكنولوجيا الثالثة التي اختارت شركة (Dassault Systèmes) تصميمها, كانت (ميناء مالبري) Mulberry harbor, حيث كانت أكبر التحديات التي واجهها الغزو هو دعم القوات الغازية بعد تمكّنها من احراز التقدم في الميناء, حيث تم في حينها بناء ميناء مالبري على أجزاء في جميع أنحاء انكلترا, ومن ثم تم نقل هذه الأجزاء بحراً ووضعها على الشاطئ باستخدام الطوافات وطرق معدنية مرنة, أي تم إنشاء ميناء في منطقة لا يوجد فيها ميناء أساساً, وهذه كانت سابقة تاريخية تحصل لأول مرة, واستمر هذا الميناء بكونه الميناء الأكثر نشاطاً في العالم لمدة طويلة، وفق ما صرّح به (تايوبي).
ولصنع هذه التصميمات الثلاثة, قامت شركة (Dassault Systèmes) بمسح ضوئي لأغوار المياه, معتمدة بذلك على أدوات رسم الخرائط ثلاثية الأبعاد, وذلك بهدف جمع ما يلزم من معلومات عن كل من الميناء والقوارب والطائرات الشراعية، والتحف المحطمة الأخرى, حيث أن وضع هذه الخرائط جنباً إلى جنب مع ما تبقى من المخططات الأصلية، أتاح للفريق إعادة تصميم وبناء تكنولوجيا معركة نورماندي، كما أن المسح الضوئي سيمكّنهم في المستقبل من إعادة تصنيع المزيد من القطع التكنولوجية التي استخدمت في الغزو.
كانت بداية هذا المشروع مع أحد أعضاء الفريق الذي كان عائداً من عطلته الأسبوعية التي قضاها على ساحل نورماندي, حيث كان ينظر إلى البحر ويحاول شرح ما حدث في يوم معركة نورماندي لزوجته وأولاده, وكيف كان يبدو الميناء آنذاك, ولكنه لم يستطع التعبير جيداً عن ذلك, لذلك لجأ إلى (تايوبي), وطلب منه أن يفعل شيئاً بهذا الخصوص, وهنا بدأ الفريق بالتفكير بإعادة بناء ثلاثية الأبعاد للموقع.
كانت إحدى الطرق التي اتبعها الفريق لتجربة هذا العمل, هي صنع كهف ثلاثي الأبعاد, حيث أنه بمجرد أن يتم إعادة بناء الميناء بطريقة ثلاثية الأبعاد، سيتمكّن أي شخص من التجوّل داخل الميناء في غرفة من الواقع الإفتراضي, وأطلق (تايوبي) على هذا المشروع اسم “آلة السفر عبر الزمن”، ويرى (تايوبي) في هذه الآلة جهازاً تعليمياً مستقبلياً، يمكن أن يتم من خلاله شرح معركة نورماندي للجيل القادم.