استنادًا إلى تقرير “مستقبل الطاقة” لعام 2017، الصادر عن شركة إكسون موبيل، سوف يتوسع سوق الغاز الطبيعي المسال بنحو 45% خلال السنوات العشرين المقبلة، مع ازدياد الطلب عليه بمعدل ضعفين ونصف خلال الفترة ذاتها. باعتباره وقودًا أحفوريًا مكثفًا ومنخفض الكربون، يُعتبر الغاز الطبيعي خيارًا أكثر نظافة، وصديقًا للبيئة، ومستدامًا خلال مرحلة الطاقة الانتقالية التي ستشهد تقلّص استخدام الوقود الأحفوري ذي الكربون المكثف على غرار الفحم الحجري ومشتقات النفط الخام. كما يُعد الغاز الطبيعي مثاليًا لجهة تعزيز كفاءة استخدام الطاقة بناء على المعادلة التي تلحظ طاقة أكبر مقارنة بالحجم عند احتراق الغاز الطبيعي، والتي تعتبر الأعلى بين مصادر الوقود المختلفة (الأحفورية وتلك المستمدة من الكتلة الأحيائية). بالإضافة لذلك، لا يُمكن للطاقة الناتجة عن المصادر المتجددة تغطية الطلب العالمي من أجل وقف استخدام الوقود الأحفوري بالكامل.
من هنا، فقد ازدادت تنافسية سوق الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير، مع وجود أكثر من 20 دولة موردة حول العالم. وتشتمل قائمة المنتجين الكبار على قطر، وأستراليا، وماليزيا، وروسيا، والولايات المتحدة، ونيجيريا، وإندونيسيا، والجزائر، ومصر وغيرها. ومع ازدياد الاستثمار الرأسمالي في هذا القطاع، يُنتظر دخول لاعبين جدد إلى السوق خلال السنوات المقبلة. ويتضمن ذلك دول شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يُقدر المسح الجيولوجي الأمريكي (بيان وقائع المسح الجيولوجي الأمريكي 2010-2014) أن الحوض الشرقي لهذا البحر (الذي يشمل قبرص ومصر وإسرائيل ولبنان وفلسطين وتركيا) يحتوي على 122.4 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج.
وفي بيئة على هذا القدر من التنافسية، فقد استطاعت قطر الحفاظ على مكانتها كأكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم (77.8 مليون طن) خلال عام 2019 (التقرير العالمي للغاز الطبيعي المسال 2020)، وهي تستثمر بشكل هائل للحفاظ على دورها كلاعب عالمي رئيسي. ولا تنحصر استراتيجيات قطر المستقبلية في توسيع القدرات الإنتاجية بنحو 64% بحلول عام 2027 حتى تتمكن من إنتاج 126 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا (ذا بننسولا قطر، 2019)، بل وفي تعزيز قدرات الشحن البحري من خلال الاستثمار في أسطول جديد من ناقلات الغاز الطبيعي المسال. وعلى سبيل المثال، أعلنت قطر للبترول، في 1 يونيو من هذا العام، عن توقيع أكبر اتفاقية من نوعها لبناء ناقلات الغاز الطبيعي المسال، والحصول بموجبها على 100 سفينة تزيد قيمتها على 70 مليار ريال قطري، حتى تتمكن من تلبية خطط النمو المستقبلية (ذا بننسولا قطر، 2020). بالإضافة لذلك، ستعزز شركة ناقلات، ذراع الشحن البحري لصناعة الغاز الطبيعي المسال في قطر، حصتها الحالية البالغة 15% من القدرة العالمية للشحن البحري للغاز الطبيعي المسال، مما سيكرس مكانتها الحالية كأكبر مالك لناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم لعقود عديدة مقبلة.
سيرتقي هذا الاستثمار الاستراتيجي بدولة قطر من كونها أكبر منتج ومورد للغاز الطبيعي المسال في العالم إلى دولة مهمة عالميًا في مجال سلاسل توريده. ومن المعروف حاليًا أن سلسلة توريد الغاز الطبيعي المسال تشتمل على 3 مراحل رئيسية هي التنقيب والإنتاج، والمعالجة والتسييل، ومن ثم الشحن والتوزيع. ولا شك أن توسيع قدرات الشحن البحري سيُعزز الحلقة الثالثة من سلسلة توريد الغاز الطبيعي المسال القطرية، في حين أن الحلقتين الأوليتين هما الآن في أفضل حال.
ومن خلال امتلاك سلسلة كاملة لتوريد الغاز الطبيعي المسال وإدارتها، تكون قطر قد استحوذت على ميزة تنافسية مهمة، تسمح لها بتبوء قائمة المتنافسين في سوق الغاز الطبيعي المسال. وعلى سبيل المثال، ومن خلال امتلاك قدرات شحن بحري مستقلة، إضافة إلى منشآت الإنتاج والتسييل الموجودة، ستكون قطر أكثر جاهزية للاستجابة في حال حدوث مخاطر مستقبلية غير متوقعة. وأهم من ذلك كله، ستكون الدولة قادرة على التعافي بسرعة من أي اضطرابات محتملة.
من هنا، تقوم دولة قطر ببناء إحدى أكثر سلاسل توريد الغاز الطبيعي المسال في العالم كفاءة ومرونة. وتجدر الإشارة إلى أن تلك المرونة ستكرّس مكانة قطر كمورّد موثوق للغاز الطبيعي المسال لدى المشترين حول العالم. ومن شأن هذه السمعة توطيد محفظة قطر الحالية، ومساعدتها على نيل حصة سوقية إضافية. وليس ثمة شك بأنه، في سوق تعتمد على عقود مستقبلية تتراوح آجالها ما بين 15 و25 عامًا، فإن اكتساب سمعة مورد موثوق هي في غاية الأهمية. بالإضافة إلى ما سبق، سيوفر امتلاك قطر لأكبر أسطول من ناقلات الغاز الطبيعي المسال ميزة تنافسية هائلة في الأسواق الفورية والقصيرة الأجل. لطالما كانت العقود طويلة الأجل، الممتدة على 20-25 عامًا، مهيمنة على سوق الغاز الطبيعي المسال. لكن، ونتيجة لظهور موردين ومستهلكين جدد، فقد أصبح التسويق الفوري لبيع وشراء الغاز الطبيعي المسال أمرًا مألوفًا. وبالفعل، فقد باتت التجارة في الأسواق الفورية والقصيرة الأجل تُشكل 32% من مجمل أحجام الاستيراد في عام 2018 (عالم الطاقة، 2019)، ويُنتظر أن ترتفع هذه النسبة خلال السنوات المقبلة.
باختصار، لقد أنشأت دولة قطر، من خلال توسيع قدراتها في مجال شحن الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى مكانة منشآتها الراسخة في مجال الإنتاج والتسييل، سلسلة توريد كفؤة ومرنة للغاز الطبيعي المسال. وسوف يوفر ذلك للدولة ميزة تنافسية فريدة ومهمة في عالم أعمال الغاز الطبيعي المسال التنافسي.
بقلم الدكتور عادل العمري والدكتور برينو مينيزيس