حديثا نجح علماء إيطاليون، فيما يسمى بعملية تجميد الضوء، جاهدوا واجتهدوا حتى اثبتوا قدرته على التحول لمادة صلبة فائقة، كحالة من الحالات النادرة للمادة. ومما لا شك فيه أن هذا الاكتشاف سوف يُحدث ثورة في التطبيقات المستقبلية في الحوسبة الكمومية والتقنيات البصرية. فعندما يتم الجمع بين صلابة المادة والقدرة على التدفق كسائل، سوف تجد المادة فائقة الصلابة، هذه الحالة التى لم تلاحظ الا فى تكاثف بوز-أينشتاين (BECs)، وهي حالة من حالات المادة تتشكل عند تبريد مجموعة من البوزونات ” الحقول التي تحمل الطاقة” إلى ما يقارب الصفر.
وعلى الجانب الأخر ومع سعى العلماء واجتهادهم لتعمير الأرض نجد آخرون يفسدون فيها بأطماعهم ونقص ادراكهم ووعيهم وجهلهم وفهمهم الخطأ لكل نص سولت لهم أنفسهم تأويله طبقا لم يتتطابق مع هوى أنفسهم. كثيرا ما كان يشتكى الكثير من الأباء والامهات من عقوق أبنائهم، يبكون ويتباكون ويرفعون الكثير من الاستغاثات الى ربهم رغبة فى الانتقام تارة وتارة أخرى سائلين الله الهدى لأبنائهم. كل هذا وهم فى غفلة من أمرهم لأنهم وفى كثير من الأحيان هم من زرعوا هذا العقوق فى حقولهم التى لم يهتموا بها قط. كانت ظاهرة عقوق الوالدين منتشرة فى القدم، كما كانت ظاهرة تجميد الضوء مختفية وبعيدة كل البعد عن العقول والأنظار. ولكن ومع التقدم والسعى وديناميكية الأقوال والأفعال، ازدادت القلوب قسوة وتحجر الحياء فى العيون وأصبح اللسان القابع فى الفم أفعى شرسة تنثر سمها فى دماء فريستها. أعتقد الجميع، نعم الجميع أنهم أذكياء وأخذتهم العزة بالاثم وأصبحت بعض الامهات لا تحترم أمومتها وتخيلت أن من حقها امتلاك ابنائها وذهبت لتقسم الأرزاق وتمنع عن هذا وتعطى هذا وتظلم هذا متسلحة بسلاح الأمومة غير عابئة بأن فى هذا محاسبتها يوم الاحتكام الى ميزان الأقوال والأفعال. وعلى الجانب الأخر، نصطدم ببعض الأباء الذين ينصبون من أنفسهم آلهة وسلاطين على أبنائهم ويدمرون لهم حياتهم فنجد منهم من يذهب به هوى نفسه الى أنه من زرع وله أن يحصد أو يحرق زراعته على أساس أنه حر فى ملكه وصناعته. مفاهيم خاطئة للأمومة وتصرفات غير مقبولة للأبوه تؤدى دائما وأبدا الى استخراج العقوق عند الأبناء ناهينا أن أصل العقوق هو فى تصرفات الأباء قبل الأبناء ومن ثم فكما أن هناك عقوق من الأبناء فهناك عقوق من الأباء، وفى هذا وذاك فساد وافساد لكل شئ.
غرابة الأشياء والاعتقاد بأنها مستحيلة كان هو لسان حالنا، ولكن الأن أصبح ليس بغريب وليس بالمستحيل حدوث أى شئ، فما كنا نعتقد أنه بعيد أصبح قريب حتى الموت الذى قد يداهمنا فى أى لحظة نعتقد انه بعيد، وأمراضنا التى ننساها دائما أثناء الاستقواء على أنفسنا وعلى الأخرين، قريبة ولا يفصلنا عنها غير الوهم الذى نعرفه ونستمتع بتدميره لعقولنا العاجزة.
نعلم جميعا أنه لابد من وجود كل من الخير والشر فى هذه الحياة، ونعلم أيضا أن الأكثرية مع الباطل وأن الحق كنز لا يراه الا أصحاب العقول الناضجة الواعية المدركة. ولكن أن يصبح الحق شعاع وسط بقعة ظلام كبيرة، فهذه هى الطامة الكبرى التى استفحلت وطغت وفاض بها الكيل وبلغ بها السيل الزبى. طامة كبرى احتوت بين طياتها عب العابثين وعقوق وجحود الكل للكل واستقتال المكون البشرى لذاته. طامة كبرى وعظيمة أظلمت بوجهها العبوس كل استفادة من أى ابداع أو ابتكار، بل وأهدرت أوقات وجهودا ما كان يجب لها أن تهدر، ولكنها وبكل أسف ثقافات وادعاءات بعنفوان القوة والقدرة على خرق الأرض وبلوغ الجبال طولا.
وكأنى أرى أن فى العقوق أصل دمار كل الأشياء ، عقوق الأخوة والصداقة والأبوة والأمومة والأمانة والعمل وادارة أى شئ، فالعاق لوالدية عاق لكل مكونات حياته والعاق لأبنائه عاق لهذه المكونات. وياليتنا نتوقف عن استخراج العقوق من أنفسنا لأننا وبكل تأكيد ندمرها قبل أن ندمر الأخرين. لأنك ان اعتقدت أنك قد ربحت من العقوق فانت واهم وخاسر خسارة كبيرة فى الدنيا قبل الأخرة ولكنك وبكل أسف لا تشعر بهذه الخسارة وسط مستنقع الوهم الذى سوف يتدجر منك ذات يوم. فمع العقوق يتم استخراج ظاهرة تجميد كل المشاعر وكل الأواصر فى صورة مادة فائقة الصلابة فى ضررها لما لها من آثار سيئة على النسيج الاجتماعى والتقاليد والأعراف التى توارثتها الأمم. ففى العقوق تجميد كامل لكل الأوامر والنواهى الالهية التى دائما وأبدا ما تنتهى بالعصيان وما أدراك ما العصيان؟.