شهدت الولايات المتحدة الأميركية ارتفاعا ملحوظا في معدلات الإنفلونزا في فبراير/شباط 2025، بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 15 عاما على الأقل. وقد أثار هذا التطور قلق المسؤولين عن الصحة العامة، إذ تفوقت حالات الإنفلونزا على كوفيد-19 في عدد الإصابات والاحتجازات بالمستشفيات لأول مرة منذ بداية جائحة كوفيد-19.
وقد صنّفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها هذا الموسم بأنه “شديد الخطورة“، مما يؤكد الحاجة الملحّة إلى توعية الجماهير واتخاذ إجراءات وقائية فورية حول العالم.

وتشير البيانات التي جُمعت من أواخر يناير/كانون الثاني وحتى فبراير/شباط إلى اتجاه مقلق؛ إذ وصلت حالات احتجاز مرضى الإنفلونزا بالمستشفيات إلى مستويات لم تُشاهد منذ ما قبل عام 2009. ويرتبط هذا الموسم أساسا بسلالات فيروس الإنفلونزا A، لا سيما النوعين A/H3N2 وA/H1N1.
وقد لوحظ أن ذروة انتشار هذا الموسم جاءت في وقت متأخر مقارنة بذروات ديسمبر/كانون الأول المعتادة، ويشير خبراء الوبائيات إلى أن سلالة A/H3N2 غالبا ما تكون مرتبطة بتفشٍ أكثر شدة، رغم أن سلالة A/H1N1 ثبت أيضا قدرتها على التسبب في أمراض خطيرة. كما أن التأثير على الصحة العامة أصبح جليا مع تسجيل أكثر من 4000 حالة وفاة منذ مطلع هذا العام، منها 68 حالة وفاة بين الأطفال، مما يؤكد أن الإنفلونزا لا تزال تشكل تهديدا خطيرا خاصة للفئات الضعيفة.
تراجع معدلات التطعيم وانخفاض مستويات المناعة
يُعزى أحد العوامل الحاسمة في تفاقم هذا الموسم الشديد للإنفلونزا إلى انخفاض معدلات التطعيم، فبعد الاضطرابات التي أحدثتها جائحة كوفيد-19، شهدت جرعات اللقاح انخفاضا ملحوظا؛ فقد مُنح نحو 9.2 مليون جرعة أقل خلال موسم 2023-2024 مقارنة بالمستويات المعتادة قبل الجائحة.
ويظهر هذا التراجع بشكل خاص بين الفئات عالية الخطورة؛ فقد انخفضت نسب تطعيم الأطفال من 59% في موسم 2019-2020 إلى 46% في موسم 2024-2025، بينما تراجعت نسب التطعيم لدى البالغين من سن 65 فما فوق من 52% إلى 43%. وقد أدت هذه الانخفاضات إلى حماية أقل للمجتمع وانخفاض في المناعة الطبيعية ضد الفيروس، مما ساهم في شدة تفشي الإنفلونزا الحالي.

وغالبا ما يحدث الخلط بين جميع الأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي تحت مسمى “الإنفلونزا”، إلا أنه من الضروري التفريق بين فيروس الإنفلونزا والفيروسات الأخرى مثل كوفيد-19 والزكام العادي. وتتسم أعراض الإنفلونزا عادة بارتفاع في درجة الحرارة، والسعال، والتعب، وأحيانا بصعوبة في التنفس، والتهاب الحلق، واحتقان الأنف، وآلام العضلات، والصداع.
في المقابل، يظهر كوفيد-19 غالبا مع تغييرات في حاسة التذوق أو الشم أو فقدانهما. وعلى الرغم من أن بدء ظهور أعراض كلا المرضين يحدث خلال فترة تتراوح من يوم إلى أربعة أيام بعد الإصابة، فإن أعراض كوفيد-19 تستمر لفترة أطول. وبسبب تداخل الأعراض، يُعد الاختبار الدقيق –غالبا باستخدام اختبارات سريعة مزدوجة– أمرا حيويا لتحديد سبب الإصابة وبدء العلاج المناسب في وقت مبكر.
توصيات الصحة العامة
في ظل استمرار موسم الإنفلونزا شديد الخطورة، يوصي خبراء الصحة بعدة إجراءات للحد من خطر الإصابة، إذ لا يزال الحصول على اللقاح هو الأداة الأكثر فعالية للوقاية من الأمراض الخطيرة الناجمة عن الإنفلونزا، حتى في المواسم التي قد تكون فعالية اللقاح متوسطة.
إلى جانب التطعيم، تُعتبر النظافة الشخصية الجيدة مثل غسل اليدين بانتظام وتعقيم الأسطح المشتركة أمرا ضروريا. كما يُنصح بتجنب التواصل القريب مع الأشخاص المصابين، واستخدام الكمامات في المرافق الصحية لتقليل فرص انتقال العدوى. بالإضافة إلى ذلك، يُساعد الحفاظ على نمط حياة صحي من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول غذاء متوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم في تعزيز جهاز المناعة.