حيرة كبيرة قد تنتاب قطرات دماء الانسان عندما تتساقط وبقصد على أرض الحياة، وحيرة أكبر ترمى بشباكها على شرح العلماء لطبيعة عملية التقابل بين قطرة الدم الانسانى وسطح أرض الحياة، فيا هل ترى ستندرج هذه العلمية تحت ظاهرة الادمصاص؟ أم ستنجو بنفسها وتقبع تحت ما يسمى بظاهرة الامتصاص. قد يكون فى الامتصاص ذكرى نظرا للامتزاج الكامل بين المادة الممتصة ماده الامتصاص الكائنة فى سطح تربة الحياة. وقد يكون فى الادمصاص استمرارية ظهور الظاهرة وعدم غياب عملية الادمصاص. فاللقاء الحتمى الساكن فى النفس البشرية منذ انتهاك قابيل لحق هابيل فى الحياة، لن يكون أكثر من الغائب الحاضر والميت الحى الذى لن يغيب عن كل عين ولن يجد له مسكنا آمنا الا فى كل قلب ونفس بشرية.
سقطت قطرات دماء هابيل المهدرة بيد أخيه قابيل على أرض الطمع والضغينة دون أن تجد لها أى كاشفة من دون الله سبحانه وتعالى، وما زالت راسخة فى كل القلوب والنفوس ولم تغب ولو للحظة واحدة من امام كل عين بشرية. غاب العقل وانعدم الوعى والادراك واشتدت الأيادى السافكة للدماء وتجمعت كل قوى الشر القذر فى كيان غرته قوته وغلب عليه هوى النفس وانفجر بركان حقد قلبه المريض لينال من البنيان السامى للأخوة المحجوبة عن مستنقع الطمع ونفسى ثم نفسى ثم نفسى. طغت ظاهرة الادمصاص على ظاهرة الامتصاص عندما التقى الدم المحرم الاقتراب منه بسطح تربة الحياة ليظل التركيز الأكبر لهذا الدم أكبر بكثير على السطح منه فى باطن هذه التربة لنظل دائما نتذكر هذه الواقعة الأليمة لنأخذ منها العبرة والعظة. ادمصاص الدماء البشرى لم ولن ننساه ولكننا وبكل أسف لا نأخذ أى عبرة أو عظة ولكننا نتشدق بهما أناء الليل وأطراف النهار، تشدق أبله غلبت عليه استمرارية حدوث الواقعة مع التطور المستمر والابداع والابتكار فى ارتكابها.
دائما وابدا ما نجد رفض تربة الحياة امتصاص لمحلول الدماء البشرية، عل الانسان يتراجع عن جريمته ويعترف بها ذات يوم، ولكنه بجهله الجهول وعناده وغطرسته لن يعترف ولن يعود ولن يتراجع. يتصارع العنصر البشر مع بعضه البعض، وكأنه امتلك الأرض فخرقها وتولج باطنها بل وكأنه قد بلغ الجبال طولا، ولكنه صراع لن يغنى ولن يسمن من جوع.
فى عصر العلم واستبيان بواطن الأمور اشتدت دنياميكة الصراع الدموع بين متفاعلات الطمع وهوى النفس ونعرة الأنا لنجد انفسنا أمام منتج ممسوخ منعدم الهوية لم يرقى حتى الى قوانين الغابة وفطرة الطبيعة. تتساقط أوراق الأشجار كى تتزين فيما بعد بأوراق جديدة ومتجددة، فى حين يتساقط العنصر البشرى ليبدأ الصراع بين الورثة والذى غالبا ما ينتهى بسيل من الدماء وقطع لكثير من صلات الرحم وابتلاع الحقوق والتجرأ على كل الحدود الانسانية والالهية.
مع طغيان ظاهرة ادمصاص الدماء المهدرة، تجد فلاسفة وعباقرة وفقهاء الشيطان يحللون ويفسرون ويبررون لكل باطل. ومع انهيار الأخلاق وانعدام المبادىء ومع الابتعاد عن الأوامر الالهية ومع خلط الحابل بالنابل، لن نكون الا أمام الكثير من أهل وعصبة الباطل مع تواجد القليل بل والأقل من القليل من من يتمسكون بمبادئهم والتزامهم بالحق والحقيقة. وأمام هذه الأكثرية الباطلة وتفكك وقلة أصحاب القيم والمبادىء لن تجد غير الفساد وصمت القلة القليلة المغلوب على أمرها.
صراخ الاصطدام بين الدماء البشرية وبين سطح تربة الحياة وغلبة ظاهرة الادمصاص لن يشعر به الا أصحاب القلوب المرفقة والمبادىء المقدسة. صراخ قد يسخر منه أكثرية الباطل وعنترية الأنا، ولكنها سخرية وان طال وقتها وشيدت قصورها فلن تدوم. فحرمة الدم البشرى وحرمة انتهاك الأخلاق هى الطريق الوحيد الى العبودية المطلقة والتقدم المستمر واستحداث مجتمع متزن قبل أن يكون متطور.