الأوكسيجين هو أحد أهم العناصر الكيميائية الموجودة في الجدول الدوري ويرمز له بحرف (O) ويحمل العدد الذري (8)، يوجد الأوكسيجين في كل الكون، ويكون غالباً مرتبطاً مع عناصر أخرى، ويرجح أن يعود تكوّن الأوكسيجين على الكرة الأرضية، نتيجة لعمليات الأيض (الاستقلاب) للبكتيريا، ومن ثم ازداد وجود الأوكسيجين الحر في الغلاف الجوي نتيجة لعمليات التركيب الضوئي النباتية.
يشكل الأوكسيجين ثنائي الذرة حوالي 21% من الهواء الموجود حولنا، وهو ضروري لحياة كافة المخلوقات، فهو أساس عملية التنفس واحتراق الغذاء داخل خلايا الكائن الحي، وهو يساعد في تحرير الطاقة اللازمة للقيام بالوظائف الحيوية، كما أنه ضروري لاحتراق الوقود والحصول على الطاقة، فضلاً عن أنه يدخل في تركيب طبقة الأوزون التي تحمي الكائنات الحية من تأثير الأشعة الشمسية الضارة.
عمد العلماء في الفترة الماضية إلى استخلاص الأوكسيجين الحر من المركبات التي تحتويه مثل الماء، فعلى سبيل المثال قام العلماء بتطوير جهاز كهربائي رخيص وعديم الانبعاثات يستخدم بطارية 1.5 فولت، لفصل الماء إلى مكوناته الأولية من الهيدروجين والأكسجين، كما ركزت الأبحاث العلمية على إيجاد طريقة لتخزين الأوكسيجين أكثر فعالية من الطرق الموجودة حالياً، ونتيجة لهذه الجهود، قام باحثون من جامعة جنوب الدانمارك بتعديل مواد كريستالية، لتقوم بالارتباط بالأوكسجين وتخزينه بتركيزات عالية، حيث تستطيع معلقة واحدة من هذه المادة امتصاص كل الأكسجين الموجود في الغرفة، كما يمكن تحرير الأوكسجين الذي تم امتصاصه في المكان والوقت المرغوب.
بشكل عام، فإن البشر متأقلمين لتنفس الهواء الذي يحتوي على نسبة 21% من الأوكسيجين، ولكن أحياناً نحتاج للأوكسيجين بتركيزات أعلى من ذلك، فمثلاً مرضى الرئة عليهم حمل خزانات أوكسيجين ثقيلة، والسيارات التي تستعمل خلايا الوقود تحتاج للأوكسيجين بصورة دورية، لذا فإن هذا الاختراع سوف يمكننا في يوم من الأيام من صنع خلايا وقود متجددة، أي أنها ستتمكن من نزع الأوكسيجين من الهيدروجين لكي تعيد دمجهما مجددًا للحصول على الطاقة.
في الحقيقة فإن تفاعل المواد مع الأوكسيجين ليس بالشيء الغريب، كونه يوجد العديد من المواد حولنا التي تستطيع التفاعل مع الأوكسجين، ولكن النتيجة غالباً ما تكون غير مرضية، فالطعام مثلاً يصبح نتناً عند تعرضه للأوكسيجين، وبجميع الأحوال فإن أجسادنا لا تعمل بدون الأوكسيجين.
العالمين المسؤولين عن هذا الاختراع هما (كريستين ماكنزي) و (جوناس ساندبرغ) من قسم الفيزياء والكيمياء والصيدلة في جامعة جنوب الدنمارك، وتشير (ماكنزي) إلى أن المادة الجديدة تعمل بصورة سحرية، حيث استطاع العلماء في المختبر، رؤية هذه المادة تمتص الأكسجين من الهواء المحيط بهم، ويتغير لون المواد البلورية عند امتصاص أو إطلاق الأوكسيجين، فعند امتصاص الأوكسيجين يصبح لون البلورات أسوداً، وعندما يتم الإفراج عن الأوكسيجين تتحول البلورات إلى اللون الوردي، علماً أنه تمت دراسة المادة الكريستالية الجديدة باستخدام الأشعة السينية، حيث وضحت الأشعة السينية تنظيم الذرات داخل المادة، حين كانت المادة مشبعة بالأكسجين وحين كانت خالية منه .
تعتبر هذه المادة من الاختراعات المهمة كون تفاعلها مع الأوكسيجين لايلتزم باتجاه واحد، بل هو تفاعل عكسي، حيث أن المادة قادرة على إمتصاص الأوكسيجين في عملية انتقائية كيميائية، كما أنها قادرة على اختزانه وإطلاقه فيما بعد، أي أن المادة تعمل كمستشعر ومقياس ومخزّن للأوكسيجين.
المادة الكريستالية الجديدة فعّالة جداً، حيث أن ملعقة واحدة منها تستطيع امتصاص الأوكسيجين الموجود في غرفة كاملة، ويعتقد العلماء أنها تستطيع امتصاص الأوكسيجين بتركيز يعادل 160 مرة تركيز الأوكسيجين في الهواء المحيط بنا، كما أن هذه المادة تمتص الأوكسيجين وتحرره لعدد كبير من المرات، تماماً مثل الاسفنجة، حيث بإمكانها أن تمتص المياه وتحررها مرة تلو الأخرى، زد على ذلك بأن المادة تستطيع تخزين الأوكسيجين لأي فترة زمنية، ويتم تحريره عن طريق تسخين المادة أو تعريضها للفراغ (في مكان يكون ضغط الأوكسيجين فيه منخفضاً)، وحالياً تجري دراسة إمكانية تحرير الأوكسيجين من المادة عن طريق الضوء، وذلك بهدف استعمال هذه المادة في مجال التركيب الضوئي الاصطناعي.
العنصر الأساسي في تكوين هذه المادة هو الكوبالت الذي يستطيع الارتباط بالعديد من العناصر العضوية، فالكوبالت يعطي المادة الجديدة التركيب الجزيئي والإلكتروني الذي يسمح لها بامتصاص الأوكسيجين من الهواء المحيط بها، علماً أن الآلية التي تعمل بها المادة ليست جديدة، فالبشر والعديد من الكائنات الحية الأخرى تستخدم عنصر الحديد لامتصاص الأوكسيجين من الهواء عن طريق ترابط الحديد مع ذرات الأوكسيجين، بينما تستعمل حيوانات أخرى كالعناكب والسرطانات عنصر النحاس، لذا فإنه ليس مفاجئاً أن تعمل مادة الكوبالت على امتصاص الأوكسيجين من الهواء.
تستغرق عملية امتصاص المادة للأوكسيجين مدداً مختلفة (ثوانٍ، دقائق، ساعات، أو حتى أيام) وذلك اعتمادا على كمية الأوكسيجين الموجودة في الهواء، وعلى الحرارة، والضغط والعوامل الأخرى، لذا تم تصنيع أجزاء مختلفة من هذه المادة ترتبط بالأوكسجين بسرعات مختلفة.
أخيراً، يمكن استخدام هذه المادة لبناء أجهزة ترتبط وتحرر الأوكسيجين، حيث يمكن صناعة قناع وجه يسحب الأوكسيجين من الجو ويطلقه داخل القناع، أو قد يتم استعمال هذه المادة كخزان للأوكسجين النقي لاستعماله من قبل مرضى الرئة، وهذه المادة هي أكثر كفاءةً من خزانات الأوكسيجين الاعتيادية ،كونها تستطيع تخرين كمية من الأوكسيجين تفوق بثلاث مرات كمية الأوكسيجين التي تستوعبها الخزانات العادية، وفي حال إجراء بعض التعديلات يمكن استخدام هذه المادة لامتصاص الأوكسيجين المذاب في الماء، وبالتالي يمكن أن تستعمل في أقنعة أجهزة التنفس والغطس الثقيلة التي يتم استعمالها عند الغطس في الماء.