ربما لا تدرك مشكلة مياه الشرب، إلا عندما تستيقظ في منتصف الليل مكتشفاً أن مخزونك من زجاجات المياه قد انتهى، ولا تستطيع الشرب من مياه الصنبور إما لأنه ملوث، أو بسبب كونه مالحاً، لكن أمرك بسيط بالنسبة لأولئك الفقراء في الدول النامية الذين لا يمتلكون هذه الرفاهية، 700 مليون شخص في العالم لا يستطيعون الوصول إلى مياه نظيفة، وهم يواجهون خطر الموت عطشاً.
70% من كوكب الأرض مغطى بالماء، لكن المشكلة أن 97% من هذه المياه مالحة وغير قابلة للشرب، وبالرغم من وجود تقنيات كثيرة لتحلية المياه على مستوى واسع، إلا إنها لا تصل للدول الفقيرة، بسبب ارتفاع تكاليفها والطاقة المطلوبة لها، ففي دولة مثل إسرائيل مثلاً، تنفق الدولة 500 مليون دولاراً على التحلية باستخدام تكنولوجيا تسمى “التناضح العكسي”، وهي مكلفة لأنها تستخدم الكثير من الكهرباء لكي تعالج المياه عبر أغشية بوليميرية والتي تقوم بتقليل الجزيئات في الماء، كما إن المواد التي تحتاجها غير متوافرة في البلاد النامية.
الباحثون في جامعة الإسكندرية بمصر أثاروا اهتمام وسائل الإعلام، عندما أعلنوا عن ابتكار تكنولوجيا جديدة تقوم بتحلية مياه البحر، مستخدمين مواد محلية وبتكلفة رخيصة، لتحول المياه المالحة إلى مياه شرب في دقائق.
هذه التكنولوجيا تعتمد على طريقة تسمى pervaporation، وهي تقوم بإزالة الملح من مياه البحر لتجعلها صالحة الشرب، عبر أغشية خاصة تم تصنيعها لتصفية جزيئات الملح الكبيرة والشوائب، ليصبح الملح في جانب والمياه في الجانب الآخر، ثم يتم تسخين المياه حتى تتبخر ويتم تكثيفها وتجميعها في مياه نظيفة.
وقد قال أحمد الشافعي، الأستاذ المساعد في الهندسة الزراعية والنظم البيولوجية في جامعة الإسكندرية أن الشئ الذي جعل هذا الابتكار فارقاً بشكل عظيم، هو إمكانية تصنيع هذه الأغشية في أي مختبر باستخدام مواد رخيصة متوفرة بشكل محلي، كما أن جزء التبخر في العملية لا يتطلب أي كهرباء، وهذا يعني أن الطريقة الجديدة غير مكلفة ومناسبة للأماكن الفقيرة التي تعاني عادة انقطاعاً في التيار الكهربي، وهما العاملان اللذان يعدان في غاية الأهمية للدول النامية، كما أضاف في تصريح خاص لصحيفة المصري اليوم المصرية أن هذه التكنولوجيا قادرة على استخراج 6 لترات من المياه النظيفة لكل ساعة من كل متر مربع مسطح من المياه.
طريقة Pervaporation، تستخدم في فصل السوائل العضوية مثل الكحول، وهي واحدة من أكثر النظم شهرة في معالجة مياه المجاري، لفصل الماء عن المذيبات العضوية، وهذه التكنولوجيا موجودة منذ منتصف التسعينات.
هذه التكنولوجيا لن تكون قاصرة على إزالة الملح من المياه فقط، بل إنها قادرة على إزالة الأوساخ والمجاري منها أيضاً، وقد دمج الباحثون الخبرات في علم المحيطات مع الهندسة الكيميائية والهندسة الزراعية والنظم البيولوجية، ليصلوا إلى هذا الحل المثير للإعجاب، وتم نشر عملهم هذا في مجلة “علوم وتكونولوجيا المياه”.
وقد قال حلمي الزنفلي، أستاذ تلوث المياه في المركز القومي للبحوث في مصر أن التكنولوجيا التي تم تنفيذها في هذه الدراسة أفضل بكثير من “التناضح العكسي” التي تستخدم حالياً في مصر ومعظم الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي تقوم بإزالة الأملاح من المياه ذات تركيز الأملاح العالي، مثل مياه البحر الأحمر، حيث تكلف تحلية المياه أكثر وتنتج أقل.
الشئ المؤسف للمتحمسين بشأن هذه التكنولوجيا الجديدة، أنها ما تزال تحتاج للكثير من العمل قبل أن يبدأ تنفيذها، والأكاديميون العاملون عليها يحتاجون لإثبات أن طريقتهم تعمل بشكل صحيح على مدى موسع في اختبار تجريبي.
الشئ المؤكد أن طريقة جديدة مثل هذه قد تصنع فرقاً ضخماً في حياة ملايين الأشخاص في العالم الذي يموت فيه كل سنة 840 ألف شخص عطشاً.