كان من المفترض بدانيال أن يكون في القبر الآن، لكنه الآن في بيته بين أبويه وألعابه، دانيال ويلر طفل من بريستول يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً ويعاني مرضاً جينياً نادراً في الدم يدعى بمتلازمة ويسكوت ألدريخ، تم تشخيصه بهذا المرض منذ سن الثانية، واحتاج بسبب ذلك رعاية طبية مستديمة لأعراضه المختلفة مثل الإكزيما والكدمات النزفية وأزمة الربو الشديدة وعدم قدرة جسمه على مقاومة العدوى، ولم يكن أهله الذين كانوا للتو قد فقدوا أخاه الأكبر بنفس المرض، قادرين على امتلاك الأمل.
دانيال كان أحد سبعة أطفال فقط تم اختيارهم لتجربة هذا العلاج الجيني الجديد عليهم في مراكز علاجية في لندن وباريس،وقد قام الأطباء البريطانيون بمعالجة هؤلاء الصغار من المرض الوراثي المميت لأول مرة في تاريخ الطب.
متلازمة ويسكوت ألدريخ هي مرض وراثي نادر الحدوث، تكثر الإصابة به في الذكور عن الإناث، وهو يعني وجود اضطراب في الأنسجة المكونة للدم، وتظهر أعراضه منذ الشهور الأولى لميلاد الطفل حيث يتكرر حدوث نزيف أنفي أو إسهال دموي وأحياناً يكون تضخم الطحال من أعراضها، مما يعرض الطفل للإصابة باضطرابات المناعة الذاتية والأمراض الخبيثة، وقد سميت هذه المتلازمة بذلك نسبة لدكتور روبرت أندرسون ألدريخ طبيب أطفال أمريكي قام بوصف المرض في عائلة من الألمان الهولنديين، ودكتور ألفريد ويسكوت طبيب أطفال ألماني كان قد لاحظها لأول مرة، وقد وصف ويسكوت ثلاثة أشقاء لديهم نفس المرض بينما لم يصب أي من أخواتهم الإناث.
مع أن هذا المرض يؤثر على أقل من 100 طفل بريطاني فقط كل سنة، إلا أن هذا العلاج سوف يكون الخطوة الأولى فقط نحو علاج مئات الآلاف من الأطفال الذين يعانون الأمراض الوراثية الأخرى في الدم، مثل أنيميا خلايا الدم المنجلية، فحتى الآن بقي هؤلاء الأطفال الذين عولجوا سليمين من هذا المرض لمدة بلغت الأربع سنين حتى الآن.
وقد قالت والدة دانيال بسعادة أن ابنها بقي يتردد على المستشفى كثيراً منذ سن الثانية، لكنه بعد هذا العلاج لديه جلد دون أي مشاكل كما أن أزمة الربو خاصته لم تعد تهاجمه، ويمكنه الآن أن يحصل على حياة طبيعية كالآخرين.
وقد قال البروفيسور أدريان ثراشر الأستاذ في مناعة الأطفال في مستشفى جريت أورموند في لندن أن هذا العالج سوف يحمل الأمل للآلاف الذين يعانون من أمراض غير قابلة للعلاج، وقد قال أننا على أعتاب حقبة جديدة تمنح الحياة للمرضى الذين فشلت معهم طرق العلاج التقليدية وكانت فرص نجاتهم ضئيلة، أو لم يتوفر لهم أصلاً التبرع بنخاع عظم مناسب، فبدل أن يكونوا موتى، سوف يكونون بيننا.
هذا العلاج سيكون بمقدوره أيضاً أن يعالج عدداً ضخماً من الأمراض الأخرى والتي لم تكن علاجاتها نافعة كفاية، أو يوجد شح في علاجاتها، وهو يعتمد على الخلايا الجذعية، بإزالة الخلايا الجذعية في نخاع العظم، وهي التي تنتج خلايا الدم الجديدة، وتستبدل الجزء الخاطئ في جيناتها بالجينات الصحيحة، عندها نعيدها للمريض سليمة، لتنتج خلايا دم سليمة.
تم اختيار الأطفال السبعة الذين تراوحت أعمارهم من ثمانية شهور فقط إلى 15 عاماً والذين لم يجدوا متبرعاً بنخاع عظم مناسب، وكان ذلك سيجعلهم على حافة الموت، كلهم كانوا في الصورة الشديدة من المرض، من الإكزيما والعدوى المتكررة والنزيف الشديد وأمراض المناعة الذاتية التي تسببت في جعل احد هؤلاء الأطفال يضطر لاستخدام الكرسي المتحرك.
الأطفال بدل أن يمضوا بمعدل 25 يوماً في المشافي، لم يذهبوا إلى أي مستشفى خلال سنتين بعد تلقي هذا العلاج، كما أن الطفل الذي يستخدم الكرسي المتحرك استطاع المشي على قدميه ثانية.
وقد قال فولفيو مافيليو الرئيس التنفيذي في جينثون شركة التكنولوجيا الحيوية التي طورت هذا العلاج أن هذه أول مرة يختبر فيها علاج جيني قائم على أساس الخلايا الجينية المعدلة وراثياً في اختبارات سريرية دولية تظهر تأثيراً علاجياً في مراكز لبلدان مختلفة.