نجح فريق بحثي دولي مكون من مجموعة من العلماء من اختراع نسخة ثلاثية الأبعاد من الأوعية الدموية مطابقة تمامًا للأوعية الدموية البشرية عبر زراعتها في طبق بتري. و من المتوقع أن يتيح لنا هذا الإنجاز والذي تم نشره بشكل تفصيلي في ورقة بحثية جديدة نُشرت مؤخرًا في مجلة نيتشر العلمية (Nature) في فهم ودراسة العديد من الأمراض المزمنة مثل السكري. حيث أنه غالبًا ما يصاب الأشخاص المصابون بمرض السكري-وهو المرض الناتج من ارتفاع حاد لنسبة السكر في الدم-بتدهور كبير في الدورة الدموية والتي من المحتمل أن تعمل على إحداث نوبات قلبية، سكتاتٍ دماغية، وحتى بتر الأطراف!
ولذلك، يمكن للعلماء استخدام العديد من الحيوانات لدراسة هذه الأمراض، على سبيل المثال الفئران لدراسة تطور مرض السكري لكن من المهم ذكره أن الفئران التجريبية لا تتعرض لكل الجوانب والعوامل التي تؤثر على مرضى السكري كما تظهر على البشر، بما في ذلك كيفية تدمير الأوعية الدموية. وبشكل مثالي، من الطبيعي أن نفكر في رؤية آثار أي مرض بشكل يشبه ما قد يحصل مع البشر قدر الإمكان.
حيث ظهرت في السنوات الأخيرة، أعضاء صغيرة مزروعة مخبريًا أو كما أطُلق عليها اسم (Organoids) كخيار بحثي لدراسة ذلك. و يقول العلماء القائمون على هذه الدراسة بأنهم لم يقوموا بإعادة تكوين الأوعية الدموية البشرية بالمختبر بشكل فعلي، لكن ما تم التوصل إليه عبر الفريق يعتبر “مثالي” وفقًا لبيان صحفي صدر عن جامعة كولومبيا البريطانية.
حيث يقول البروفيسور ريمر ويمر (Reimer Wimmer)، الباحث الرئيسي في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئة في الأكاديمية النمساوية للعلوم في فيينا (The Institute of Molecular Biotechnology of the Austrian Academy of Sciences (IMBA)
في بيان له: ” تشبه الأوعية الدموية المخبرية (Organoids) التي تم التوصل لها، الشعيرات الدموية البشرية إلى حدٍ كبير حتى على المستوى الجزيئي، إذ يمكننا الآن استخدامها لدراسة أمراض الأوعية الدموية بشكل مباشر”
حيث نمت الأوعية الدموية المنتجة مخبريًا (العضويات) من الخلايا الجذعية وخلايا غير ناضجة لها القدرة على التحول إلى أكثر من نوع واحد من الخلايا. كما هو الحال عند البشر حيث تم العثور على شبكة من الشعيرات الدموية المغلفة بغشاء قاعدي (basement membrane) وهو نوع من النسج الضام الذي يساعد على الدعم وإعطاء الخلايا شكلها وبُنيتها.
كما وذهب د.ويمر وفريقه إلى أبعد من ذلك عبر زراعة هذه النسخ المتماثلة في الفئران دون أي نظام مناعي (وهي خطوة قد تمنعهم من رفض الأنسجة المتبرعة). كما وتم ربط هذه الأوعية بنظام الدورة الدموية الأصلي للفئران والتي تطورت بعدها لتصبح شبكة ذات شكل شجري تشبه الشرايين والأوردة الصغيرة.
علاوة على ذلك، فقد استطاع العلماء إعادة خلق الأوعية الدموية ” السكرية” والتي تتميز بسماكة الغشاء القاعدي فيها. وبناء على التجارب مع الفئران وبناء على الأبحاث السابقة، فقد وجد العلماء أيضًا دليلُا على أن مسار الإشارات يعتمد على وجود بروتين (NOTCH-3) وهو بروتين يلعب دورًا رئيسيًا في تكوين سماكة الأوعية الدموية لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري. كما ويبدو أن منع بروتين NOTCH-3, γ-secretase يحد من حدوث عمليات تدمير الأوعية الدموية.
كما وأضاف الباحثون أن النتائج التجارب تُظهر أن الأوعية الدموية المنتجة من الممكن أن تكون نموذجًا أفضل لدراسة مرض السكري، علاوة على أهمية نظام الدورة الدموية لبقية أعضاء الجسم فإن إمكانيات هذا النموذج يمتد لأبعد من كونه أبحاث لدراسة مرض السكري فحسب.
حيث قال المؤلف المشارك في الدراسة جوزيف بيننجر Josef Penninger والمدير المؤسس لمعهد (IMBA) والحالي في جامعة كولومبيا البريطانية ” كل عضو في أجسادنا مرتبط بنظام الدورة الدموية، كما وتمثل الأوعية الدموية المتطورة والمولدة من الخلايا الجذعية نموذجًا جديدًا بما يسمح لنا باكتشاف المسببات والعلاجات لمجموعة واسعة من الأمراض المرتبطة بالأوعية الدموية، بدءًا من السكري، الزهايمر، أمراض القلب والأوعية الدموية، التئام الجروح، السكتات القلبية ووصولًا للسرطانات”
حيث تعتبر الأوعية الدموية المخبرية هي أحدث ما تم التوصل اليه في تطوير (Organiod) حيث قام العلماء بالفعل بانشاء نسخٍ مصغرة مخبريًا من المعدة والرئتين بل وحتى تطوير الدماغ وتم استخدامها كذلك لدراسة آثار كل شيء تقريبا من التليف الكيسي (cystic fibrosis) حتى فيروس زيكا.