استطاع العلماء لأول مرة بناء إنزيمات اصطناعية باستخدام مادة وراثية تمت صناعتها وتنميتها في المخبر تدعى (XNA)، وهذه التجربة تدحض الفكرة التي كوّنها العلماء سابقاً عن تطور الحياة، والتي كانت تفترض أن اللبنة الأساسية لتطور الحياة كانت من الحمض النووي (DNA) والحمض النووي الريبي (RNA)، وتدعم هذه التجربة الفرضية القائلة بأن الحياة من الممكن أن تكون قد تطوّرت بدون هذين العاملين.
وفي التفاصيل، قام علماء من المملكة المتحدة بصنع إنزيمات اصطناعية (وهي المحفزات الحيوية اللازمة لدعم الحياة) من نقطة الصفر، وذلك باستخدام مادة وراثية تم إنشاؤها في المختبر، هذه الإنزيمات لا تحتوي على الـ(DNA) أو الـ(RNA) بل تعتمد في تشكلها على ما يسمى بـ(xeno nucleic acid) أو الحمض النووي الأجنبي والذي يسمى اختصاراً بـ (XNA)، وهذه الأنزيمات يمكن أن تستخدم لإنتاج علاجات طبية جديدة أو للعثور على حياة على الكواكب الأخرى.
يشير أحد أعضاء فريق البحث (فليب هوليغر)، من مختبر كامبردج للبيولوجيا الجزيئية، بأن قيام العلماء بتصنيع الـ(XNA) في المختبرات هو دليل على أن وجود الـ(DNA) والـ(RNA) هو ليس شرطاً أساسياً لوجود الحياة، وجدير بالذكر أن المختبر الذي طوّر هذا الاكتشاف هو ذاته الذي اكتشفت فيه بنية الـ(DNA ) لأول مرة عام 1953، من قبل العالمين (فرانسيس كريك) و(جيمس واطسون).
قام فريق (هوليغر) منذ ثلاث سنوات بصناعة أول (XNA) في المختبر، حيث قاموا بصناعته باستخدام نفس قواعد بناء الـ(DNA) أو الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين، والـ(RNA) أو الحمض النووي الريبوزي، وهي (الأدينين، الجوانين، الثيمين، السايتوزين، واليوراسيل)، ولكن العلماء قاموا بنزع السكر المرتبط بالدنا والرنا (جزيء السكر في الدنا هو الدي أوكسي ريبوز وفي الرنا هو الريبوز)، وقاموا باستخدام سكريات أو جزيئات أخرى لا توجد في الطبيعة لتصنيع الـ(XNA).
إن التجربة السابقة والتي تمت منذ ثلاث سنوات مكّنت فريق البحث من طي جدائل الـ(XNA) لتكوين إنزيمات مختلفة، وأظهرت هذه الإنزيمات قدرة مدهشة على قص ولصق القطع المنفردة من الحمض النووي (XNA) وهي نفس القطع التي تخزّن وتنسخ المعلومات الوراثية أو الجنينة، كما تمكنت تلك الإنزيمات من إظهار قدرة مماثلة على بناء وهدم بعض المركبات المعينة الأخرى عند الحاجة لذلك، علماً أنه حتى وقت قريب كان يعتقد أن الـ(DNA) والـ(RNA) هي الجزيئات الوحيدة القادرة على تخزين المعلومات الوراثية ، وأنها -جنباً إلى جنب مع البروتينات- هي الجزيئات الحيوية الوحيدة القادرة على تشكيل الأنزيمات، وتعتبر قدرة الـ(XNA) على العمل كانزيم وبذات الوقت تخزين المعلومات الوراثية، أولى الخطوات الرئيسية لخلق الحياة، وكل ما يحتاجه الـ(XNA) الآن حتى يصبح قادراً على تشكيل الحياة هو نسخ نفسه تلقائياً كما يفعل جزيء الـ (RNA).
يعمل فريق البحث حالياً على صنع أشكال حياة اصطناعية جديدة قائمة على الـ(XNA)، وهذه الحيوات يمكن أن تعمل كعلاجات طبية جديدة قادرة على التفاعل والارتباط مع جزيئات الـ(RNA) العائدة للمرضى، أو يمكن أن يتم إطلاقها في الجو لتنظيف البيئة من الملوثات، كما أن هذا الاكتشاف يفتح الاحتمالات أمام العثور على كائنات حية على الكواكب الأخرى، خاصة بعد أن تم إثبات أنه توجد جزيئات مختلفة قادرة على تخزين المعلومات الجينية وتشكيل الإنزيمات الداعمة للحياة مختلفة عن الـ(DNA) والـ(RNA) .
يشير أحد أعضاء فريق البحث (أليكس تايلور) بأن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام احتمالية وجود حياة على الكواكب الأخرى، والتي قد تكون نشأت من مجموعة مختلفة من الجزيئات، كما أن هذا الاكتشاف يزيد عدد الكواكب التي يحتمل أن تكون قادرة على استضافة الحياة على سطحها.
يقول (هوليغر) أخيراً، بأن الـ(XNA) الذي تم تصنيعه هو عنصر كيميائي نشط جداً، كما أنه غير موجود بشكل حر في الطبيعة، لذا فإن الإنزيمات الموجودة في أجسامنا لا يمكنها التعرف عليه، ولهذا فإن الـ(XNA) يشكّل بديلاً قوياً للعلاجات طويلة الأمد في الأمراض المرتبطة بالـ(RNA).