حدثنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري وهو على فراش الموت بكلمات كتبها البعض عنه بماء عيونهم ودقات قلوبهم والتى كان منها ” إن العلماء هم عقول الأمة ٬ والأمة التي لا تحترم عقول علمائها غير جديرة بالبقاء”. ومن ثم فإن أهل العلم هم رأس الأمة وعماد فلاحها، والنيل منهم نيل من مقدرات هذه الأمة. كما أن لأهل العلم حرمة لا يجوز التعدى عليها لما فى ذلك من خطورة عظيمة كشف عنها الحافظ بن عساكر رحمه الله فى كلماته الذهبية ” إن لحوم العلماء مسمومة”، ” ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه لله تعالى قبل موته بموت القلب”. وعلى الرغم من القيمة والقامة التى يجب أن تكون للعلماء الا أن دماؤهم وأعراضهم كانت محًلا لسهام أعداء العلم والمنافقين والحاسدين على مر العصور. ولكن يجب أن نتأكد من أن رمي العلماء بالنقائص يفتح باب الزندقة والهرطقة على مصرعيه. كما أن النيل من أعراض العلماء داء خبيث دائما وأبدا ما يتسلح به أعداء الأمة لاستئصال شأفتها وهم فى ذلك أشبه ما يكونوا بأنثى ذباب الخيل.
أنثى ذباب الخيل
ينتمى ذباب الخيل (النّعَرية) إلى رتبة الحشرات ذات الجناحين التى تستخدم زوج واحد فقط من هذه الأجنحة فى الطيران فى حين تختزل الزوج الآخر لُيكّون دبوسى للتوازن. ان معظم إناث ذباب الخيل تحتاج إلى وجبة غنية بالدم لتعزز فرص التكاثر الفعال ومن ثم فانها ناقل جيد ومعروف لبعض الأمراض التى تصيب الحيوان والانسان مثل نقل فيروس أنيميا الخيول المعدية وبعض أنواع المثقبيات. تؤدى كثرة عدد ذبابات الخيل الى فقد الدم عند بعض الحيوانات بما يقارب 300مل فى اليوم الأمر الذى يؤدى الى ضعف هذه الحيوانات وموتها أحيانا.
أنثى ذباب الخيل ودم العلماء
بين حجرات برج الحياة تجد حجرة رئيسية تسمى بحجرة العلم التى لا يمكن الأستغناء عنها بأى حال من الأحوال سواء كان هذا البرج مادى أو معنوى. يقطن هذه الحجرة المقدسة أصحاب العقول الراجحة التى تكيل كل أمر بميزان المنطق والعقل دون ميل الى هوى النفس أو تصالح للمصالح. عقول تزينت بالعلم فاتخذت من جهودها وأفكارها فراشا وملبسا لها ولغيرها، عقول عاشت بالعلم وللعلم وفى محراب العلم. يفوح العطر من حجرة العلم، فيجتذب الجمهور من كل حدب وصوب ولكن وبكل أسف غالبا ما يندس بين أهل العلم مجموعة متنوعة من الذباب والتى من بينها ذباب الخيل الذى تشكل أنثاه خطورة شديدة على أى كائن حى مقارنه بذكورها لما لها من مجموعة أعضاء الفم (فك سفلي) التى تستخدمه الأنثى فى سحب الدم والتغذي عليه. ان إناث ذباب الخيل أو المندسين على أهل العلم أو المتشبهين بالعلماء دائما وابدا ما تسمع لهم أزيز قد يعكر صفو حجرة العلم وقد يزعج العلماء ويشغلهم بعض الشئ عن انجازاتهم التى أدت لسماع هذا الأزيز. فالمندسين على أهل العلم ولك ان تطلق عليهم أغبياء العلم لم ولن يكفوا عن العويل حتى قيام الساعة.
آلية ذباب خيل العلم
فقد يرى البعض أن العلماء هم خيل العلم لما فى ذلك من رمزية جاء بها التاريخ وسطرتها كل الأساطير لتعبر وبقوة عن صفات متعددة تمتع بها العلماء والتى منها الحكمة والاخلاص والقوة والسلطة والسفر والشجاعة والحرية والنجاح…..ألخ. صفات لا يعرفها المندسين على أهل العلم بل لن يستطيعوا تخيلها حتى فى خيالهم، ولكنها صفات يتشدقون بها ويحاولون سلبها من أسيادهم من أهل العلم، وهم فى سبيل ذلك يسلكون كل درب لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة. فغاية إناث ذباب خيل العلم متشبعة بالحقد الأسود النابع من قاع المستنقع العفن فى رائحته لما يحتويه من نفس قذرة ملتوية كذيل كلب مريض. ان نيران بركان حقد إناث ذباب خيل العلم لا تخمد أبدا، فهى دائما مشتعله نظرا لاستنادها على قلب مريض وعقل معتوه ونظرات خبث فاقت كل الحدود. آليات كثيرة ومتعددة تمتلكها إناث ذباب خيل العلم كى تصل الى فريستها، فتارة ترتدى قناع العفة والفضيلة وتارة تدعى أنها تسعي لتحقيق المصلحة العامة وتارة أخرى تدس السم فى العسل، فهى متقلبة كالحرباء التى تتخفى دائما خلف ستار من السرية وكأنها مجهول لا يعرفه أحد. سلوك سئ من ذباب أسوأ يطفو على السطح معتمدا فى ذلك على تخطيط يبدو طبيعيا فى حين أنه معد سلفا بكل عناية ودقة. وتظل هذه الذبابات فى حالة من الترقب لاقتناص أى فرصة حقيقة أو غير حقيقة لافتراس فريستها، لأنها تمتلك من القدرة ما يؤهلها من تزوير وتزييف بكل الحقائق.
آليات التخلص من ذباب خيل العلم
دائما وأبدا ما يسعى ذباب خيل العلم الى الهرب قبل أن يواجه رد فعل ضحيتها التى تنشغل فى الألام التى لحقت بها، بمعنى أن انتباه الضحية الى آلامها وتضميد جراحها يكون أكثر أهميًة من محاولة سحق هذا الذباب. ومن هنا يجب على أهل العلم أن يتعلمون من الآليات ما يمكنهم من سحق هذا الذباب عند شعورهم بأول بادرة للعضة الذبابية القذرة لأن تجاهل أول عضة ذبابية سيؤدى بدوره الى تكاثر وتفاقم خطورة هذا الذباب. وتكاد تكون أهم آلية للتخلص من إناث ذباب خيل العلم هو مجابته بالحكمة وعدم الاهتمام بثرثرته لأنه دائما وأبدأ لن تجده الا فى مذبلة التاريخ أو لن تجد له ذكرى لأنه سيصبح نسيا منسيا. وفى هذا الصدد نجد آلية أخرى فى كلمات الشيخ طاهر رحمه لله ” عدوا رجالكم ٬ واغفروا لهم بعض زلاتهم ٬ وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم ٬ ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم “، قاعدة فلسفية عظيمة لا يحق لأى عاقل أن يتغافلها لأن فى تغافلها اهدار لدم رجال وعلماء ضحوا بأوقاتهم وكل جهدوهم فى سبيل رفعة وتقدم أمتهم. وتقدم الأمم لن يكون بالزج الفعال لذباب خيل العلم ولكن بسحقها سحقا عظيما.