من بوتقة الفن تنطلق جملة الوسائل التى يستعملها الانسان لاثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر. ومن ثم فالفن مهارة يحكمها الذوق والمواهب، ففن أفانين العلم والادارة يتضح جليا فى حسن تحصيل كليهما واتقان القيام بهما. وفى ميدان العلم والادارة، يشتد الوطيس وتختلف تَفْاصِيلِ هَيْئَاتِ السَّهْمِ إِذَا رُمِيَ بِهِ كما جاء فى فقه اللغة للثعالبي “إذا مَرَّ السَّهْمُ وَنَفَذَ فهو صَارِد، وإذا أَخَذَ مَعَ وَجْهِ الأرْضِ فَهُوَ زَالِج، وإذا عَدَلَ وكَذَلِكَ العَاضِد والعَادِلُ الَذِي يَعْدِلُ، فإذا جَاوَزَ الهَدَفَ فَهُوَ طَائِشٌ وعَائرٌ وَزَاهِقٌ ” . فأفنان العلم والادارة، صرح كبير لابد أن تتضافر فيه كافة الجهود الصادقة، وتتكامل وتتجانس فيه كل مكونات النسيج العلمى والادارى. لأنه ان لم تكن جذور شجرة العلم والادارة ممتده فى عمق الأعماق، فلن نستطيع رؤية أغصانها ولن نرى لها ثمارا قط. فالثمار الجيدة ما هى الا نتاج الجهد والعرق والمثابرة الصادقة البعيدة كل البعد عن أهل الثقة وروبيضة كل مكان وزمان.
ولأن العلم ما هو الا أسلوب منهجي لبناء وتنظيم المعرفة في صورة تفسيرات وتوقعات قابلة للاختبار، فان سيطرة وهيمنة فن الادارة ،لابد أن تكون فرض عين قبل أن تكون فرض كفاية للوصول الى استحداث القيمة المضافة لكل معرفة. مفاد هذا أن الادارة هى قرين العلم، وأن العلم هو أساس كل الأشياء، فان امتزج فن الادارة بفن العلم بطريقة حرفية كانت النتائج تفوق كل ما هو متوقع، أما ان كان المزج عشوائى كان الوصول الى اليم أمرا محتوما، ناهينا عن المزج الصورى بين متسلقى أشجار العلم وعقول الادارة الفارغة، هذا المزج المؤدى لا محالة الى حافة الهاوية.
فادارة العلم تختلف كثيرا عن ادارة الادارة، لأن ادارة الادارة لن تخرج عن روتين يومى عقيم وخطوات معدة سلفا والخروج عنها يعد عصيانا وخروجا عن المألوف وهتك لعرض عقول متحجرة لأنها دائما ما تعتمد على مركزية القرار، أما ادارة العلم لا تتوقف عند مركزية القرار لأنها يجب ان تكون مرنة وقائمة على اللامركزية المطلقة واستحداث كل ما هو جديد ومواكب لمتطلبات اللحظة. ومن ثم فان ادارة العلم هى جمع حرفى بين فنون العلم والادارة لن يستطيع اتقانه الا أصحاب المواهب القيادية فى فن العلم قبل فن الادارة. ففن ادارة العلم يقوم على جراحة دقيقة تستوجب وجود جراح علمى ماهر يمتلك من خبرة العلم ما يساوى أو يزيد عن خبرة اترابه ، علاوة على ضرورة امتلاكه ما يكفى من الخبرة الادارية والقانونية نظرا لأهمية هذه الخبرة فى معالجة الكثيرة من الأمراض المزمنة وتعديل أى اعوجاج قد يطرأ على المنظومة العلمية.
فان لم يمتلك قائد العلم فن علم تفسير النص والقدرة على الأخذ بعلم القياس خصوصا عند غياب النص، فلن يحقق أى شئ غير أنه سوف يستقى أصل قراراته من البطانة التى لا يعلم نواياها غير الله عز وجل. حيث أن ادارة العلم تتطلب معرفة كل شئ عن الشئ نفسه، وفى نفس الوقت تتطلب معرفة الشئ عن كل شئ، وهنا فقط سوف تتلاشى صورة المدير التقليدى للعلم مع بزوع نجم قائد قوى ومؤثر للعلم. فى النهاية نكاد نجزم فى قولنا أن أفانين العلم والادارة تتطلب الادراك والوعى الكامل بعلوم الادارة التى تخدم فن العلم، كما تتطلب فحص وتمحيص للأراء المعروضة من المستشارين والمساعدين وعدم الارتكان المطلق عليهم لأن رأيهم لن يتعدى حدود الاستشارة التى يتم يمكن الأخذ بها او دحضها لأن تبعات القرار لن تقع فى النهاية الا على عاتق صاحبه ولا ينال من هذا الاعتماد على الأخذ برأى المستشارين ، ومن أجل كل هذا انطلق سلطان السلطة التقديرية لجهة الادارة. هذه السلطة التى تخضع لا محالة لرقابة القضاء الادارى، هذه الرقابة المحدودة بحدود رقابة مشروعية أعمال الإدارة ولا تمتد إلى مراقبة ملاءمة هذه الأعمال حتى لا يسقط النحل فى رحيقه.