يعد الحلم واحد من أكثر حالات الوعي غموضاً و إثارة, حيث عند دخولنا في حالة الحلم العميق نفقد وعينا لنستعيده من خلال دخولنا في سلسلة من الحقائق الغريبة, وعلى مر الزمن كان من الصعب على الأخصائيين النفسيين تفسير هذه الظاهرة من عدم التوازن الداخلي التي يمر بها الشخص أثناء النوم, ولذلك عمد العلماء إلى دراسة مؤشرات الدماغ للأشخاص الذين يكونون في حالة الكمون السلبي (النوم العميق)، ولكن مؤخراً توجه الاهتمام إلى تقنية تسمح للعلماء الاتصال المباشر مع النائم في عالم الأحلام.
إن صلة الوصل ما بين حالة الوعي والنوم هي مرحلة (الحلم الواعي), حيث يكون الشخص على وعي بأنه يحلم و يكون قادر على التحكم بالأحداث داخل الحلم, و تشير الدراسات أن معظم الناس قد مروا بتجربة الحلم الواعي في مرحلة ما من حياتهم, ولكن لا يمكن اعتبار هذه التجربة شائعة الحدوث, و كنتيجة لذلك, فإن بعض القطاعات المحدودة للتكنولوجيا و تقنيات التدريب تدّعي بأنها تزيد فرص الشخص في الحصول على حلم واعي, بالرغم من أن الدراسات العلمية تشير أن نسبة نجاح أي نوع من التقنيات و الاستراتيجيات المحفزة لا تتجاوز الـ50% على أكثر تقدير, ولكن مع ذلك يوجد بعض الناس القادرين على إنتاج أحلام واعية بشكل مستمر, وبفضلهم نقوم الآن بإجراء التجارب داخل الأحلام.
بشكل عام، فإنه عند إجراء دراسة عن تجربة ما أو عن سلوك معين لشخص معين, يقوم العلماء عادة بالدمج ما بين التجارب الذاتية لهذا الشخص, أي الدمج ما بين وصف الشخص لتجربته, مع التجارب السلوكية التي مرّ بها, وذلك بهدف معرفة تأثير حالة معينة على منطق الشخص و وعلى تصرفاته وعلى ذاكرته, ولكن إجراء هذه الدراسة وتطبيقها على الحالمين هو أمر صعب جداً, لأن النائم لا يستطيع أن يخبرنا بتجربته إلا حين استيقاظه، و المشاركة النشطة في هذا النوع من التجارب صعبة عندما تكون مفصول عن العالم بواسطة بطانية تسحبك إلى حالة تشبه الشلل أثناء النوم.
يحدث هذا الشلل عندما تقوم الخلايا العصبية في جذع الدماغ بمنع وصول المنبهات من المناطق المولدة للحركة من الدماغ إلى الأعصاب الشوكية و العضلات, وتحدث عملية المنع هذه عندما تبدأ الحركة السريعة للعين أو ما يسمى بحالة النوم (REM), وهذا يعني أن أكثر الأحلام حيوية لا ينتج عنها أكثر من حركة رعشة عين واحدة, ونستنتج مما سبق بأن حركة العين هي واحدة من الأعضاء القليلة في الجسم التي لا تصيبها حالة الشلل أثناء النوم, و هذه الحركة تعتبر النافذة التي يعطي من خلالها النائم إشارة للعالم الخارجي بأنه يمر بحالة نوم واعي.
تقنياً، فإننا نستطيع التحقق من أن النائم يدخل في مرحلة النوم الواعي، عن طريق تقنية ابتدعها الباحث المتخصص بمجال النوم (ستيفن لابيرج)، حيث يقوم من خلالها النائم أن يشير إلى الباحث المراقب أنه دخل في مرحلة الحلم الواعي باستخدام حركة عين متفق عليها مسبقاً أثناء نومه, وتقوم أقطاب كهربائية موصولة حول تجويف العين بالتقاط هذه الحركة المتفق عليها، ولقد سمحت هذه التقنية البسيطة في مبدئها و البارعة في مفهومها بإجراء سلسلة من التجارب عن خصائص عالم الأحلام وانعكاسها على وظائف الدماغ, وكان لهذه الدراسة العصبية أهمية كبيرة للتغلب على الاعتراضات التي أشار إليها العلماء فيما يخص تجربة الحلم الواعي, والتي تتمثل بأن المشتركين في التجربة غالباً ما يكونون في حالة وعي كامل ولكنهم مسترخين ليس إلا, أو أنهم يحاولون تزوير الحالة والإدعاء بأنهم يختبرون حلم ما في حين أنهم ليسوا كذلك.
ورداً على هذه الاتهامات، فلقد أظهرت دراسات قام بها كلاً من عالمي النفس العصبي (اورسولا فوس) و(مارتن درسلر) بأن نشاط الدماغ أثناء (الحلم الواعي) يحمل المكونات الأساسية لحالة النوم التي تقترن بالحركة السريعة للعين، ولكن نشاط الدماغ في حالة الحلم الواعي يختلف عن نشاطه في الحلم الغير واعي ونشاطه في حالة اليقظة.
تعد الأبحاث حول تجارب الحلم من أكثر الدراسات إثارة للاهتمام, حيث يطلب من المشاركين في الاختبارات أن يقوموا بإجراءات حركات متفق عليها مسبقاً عند البدء بدخول حالة الحلم الواعي، مستخدمين حركات العين لإعطاء الإشارة بالبدء و الانتهاء من كل مرحلة من الحركات المتفق عليها، وقد أظهرت دراسة حديثة أجراها عالم الأعصاب (دانيال ايرلتشر) وزملاؤه في جامعة برن، قاموا من خلالها بمقارنة الوقت اللازم لأداء مهام مختلفة في أثناء حالة الحلم الواعي وفي أثناء اليقظة, تضمنت الحساب والمشي بعدد محدد من الخطوات وحركات بسيطة من التمارين الرياضية, فوجدوا أن المهام التي تتضمن نشاط دماغي مثل الحساب, أخذت الوقت ذاته لدى المشترك سواء أكان في حالة الحلم أو في اليقظة, ولكن المهام التي تتضمن نشاط عضلي أخذت وقت في حالة الحلم أطول منه في الحياة العادية, وتم تفسير ذلك بأن الجسم في حالة النوم لا يعطي ردود فعل حسية ليساعد الدماغ على تنسيق الحركات بأفضل فعالية ممكنة.
على أرض الواقع, يوجد مجتمع من الهواة المتحمسين لفكرة الحلم الواعي الذين يسعون لاكتشاف هذا العالم الافتراضي، من هؤلاء من ينتمون (لحركة العصر الحديث) الذين يسعون للوصول إلى عوالم أخرى باستخدام (الحلم الواعي)، وآخرون ينتمون إلى مجتمع تكنولوجي يتكون من قراصنة أحلام, والذين يستعملون ما وصلت إليه البحوث العلمية في محاولة للوصول إلى ايجاد وسائل موثوقة للدخول في مرحلة الأحلام الواعية، وفي الحقيقة بأن هؤلاء الهواة يقومون بالوصل ما بين نتائج الدراسات العلمية بشكل عشوائي، فهم يجمعون ما بين التجارب التي تم التحقق منها و ما بين ما تم بالكاد اثباتها, فمثلاً جاء في تقارير نشرت على الانترنت أن بعض الناس استعملت أدوية مخصصة لمرض الزهايمر كان لها آثار جانبية تتسبب بأحلام اليقظة, معتمدين بذلك على بعض الأقاويل والبيانات الموجودة بطلب براءة الاختراع لهذه الأدوية.
أخيراً، حاول بعض العلماء إبراز إمكانيات الحلم الواعي لتطوير ما يدعي بـ “علم الوعي”، ولكن يبقى هذا العلم مبهماً و صعب الفهم, فالوعي يعمل بطريقة لا يمكن التنبؤ بها و ذلك تبعاً لتغير حالات النوم وعلم الأحلام مازال في مرحلة الاكتشاف.