مما لا شك فيه أن هناك العديد من الألغاز الطبية التي لم يجد العلم لها حلًا حتى الآن، وهناك ألغازًا أخرى كُشفت وأصبحت انتصارًا في مجال العلم، واستفاد منها الكثير من المرضى ومنها هذا اللغز الطبي الذي بين أيدينا الذي كان يُعد قاتلًا للأطفال، وهو “سبب تلف الكُلى عند الأطفال”.
دراسة الحالة
شُخِّصت حالة شيلي أوكونور (٣٤ عامًا) بأنها مصابة بفرط الكالسيوم في الدم عند الأطفال من النوع الأول مُنذ ١١ عامًا، وذلك عندما حملت بطفلها الأول في سن ٢٣ عامًا؛ حيث كانت قد بدأت تتناول مكملات الحمل الدوائية ومنها: فيتامين د، ولكنها بدأت تُعاني من ألمٍ شديدٍ لدرجة أن طبيبة النساء الخاصة بها اعتقدت أنها ستبدأ المخاض المبكر في الأسبوع ٢٣ فقط.
قالت شيلي: كان الأمر مخيفًا للغاية؛ حيث كنت أعاني آلامًا شديدة، وكنتُ خائفة على طفلي كثيرًا، ولكن عندما أجريت تصوير الرنين المغناطيسي اكتشف الأطباء أنها في الواقع حصوة في الكُلى ناتجة عن تناول فيتامين د.
ولد الطفل بصحة جيدة، وأنجبت طفلين بعد ذلك، وتقول: قد شُخِّصت إصابتي بمرض HCINF1 “فرط كالسيوم الدم الطفلي النوع الأول”، وأصبح واضحًا سر معاناتي المستمرة من آلام البطن، والتهابات المسالك البولية في طفولتي، ولكنها ما زالت مستمرة إلى الآن وأحتاج إلي تناول مسكنات الألم، بالإضافة إلى إجراء عملية جراحية كل ٦ أشهر لإزالة الكالسيوم المتراكم الذي يؤدي إلى حصوات الكُلى.
اقرأ ايضا:
نجاح عملية زرع كليتين من خنزير معدل وراثيا في متلق بشري ميت دماغيا
ما الذي اكتشفه الباحثون؟
نجح مجموعة من الباحثين في جامعة “East Anglia” في حل لغز طبي عمره ٨٠ عامًا، وهو سبب تلف الكُلى لدى الأطفال الذي يُعد قاتلًا، حيث لا يستطيع الأطفال المصابون بهذا المرض استقلاب فيتامين د جيدًا؛ مما يتسبب في تراكم الكالسيوم في الدم، وتلف الكُلى، ووجود حصوات بها.
أدى هذا المرض إلى العديد من الوفيات بين الأطفال في الثلاثينيات، والأربعينيات من القرن الماضي، بعد دعم العديد من الأطعمة بفيتامين د، مثل: الحليب، والخبز، والسمن في محاولة للقضاء على الكساح عند الأطفال.
تفاصيل دراسة سبب تلف الكُلى عند الأطفال
أفادت العديد من الأبحاث الحديثة أن الحالة المرضية المعروفة الآن باسم “فرط الكالسيوم عند الأطفال النوع الأول” هي حالة ناتجة عن طفرة جينية، ولكن من الغريب أن حوالي ١٠٪ من المرضى المصابون لا يُعانون طفرة جينية.
أكد الباحث الرئيسي “د/ داريل غرين” في UEA’s Norwich Medical School بقوله: لقد حيرنا هذا حقًا؛ لذلك أردنا أن نعرف بالضبط سبب إصابة ١٠٪ بهذه الحالة بدون الطفرة الجينية.
بدأ اللغز في أوائل القرن العشرين؛ عندما أصيب أكثر من ١٠٪ من الأطفال في أوروبا، وأمريكا الشمالية بالكساح؛ مما تسبب في آلام العظام، وضعف النمو، والعظام اللينة والضعيفة، فقد يتسبب نقص الكالسيوم في الدم إلى تفاقم أعراض الكساح عند الأطفال المصابون بها، وقد يتسبب في تقلصات العضلات، والوخز في اليدين، والقدمين، وكذلك يُعاني البالغون أعراض مشابهة، مثل: ضعف العضلات، وهشاشة العظام الذي يُعرف “لين العظام”.
قال د/ غرين: “إن الأطعمة المدعمة بفيتامين د، مثل: منتجات الألبان أدت إلى العديد من وفيات الأطفال؛ لذلك حظرت في العديد من البلدان باستثناء حبوب الإفطار”.
وجد العديد من الباحثين عام ٢٠١١م أن بعض الأشخاص يولدون بطفرة في جين CYP24A1؛ مما يعني أنهم لا يستطيعون استقلاب فيتامين د؛ مما يتسبب في تراكم الكالسيوم في الدم، وهذا يؤدي إلى تكوّن حصوات الكُلى أو تلفها أحيانًا وهذا يكون قاتلًا؛ لذلك كان هذا هو السبب في أن الطعام المدعم بفيتامين د في الثلاثينيات تسبب في التسمم لدى بعض الأشخاص.
حاليًا في هذه الأيام لا يُدرك بعض الأشخاص أن لديهم طفرة CYP24A1 حتى يصبحوا بالغين، ويُعانون حصوات الكُلى ومشكلات أخرى لسنوات.
في معظم الحالات يحدث فحص لهؤلاء المرضى، ويكتشفون أن لديهم طفرة CYP24A1 والاضطراب المعروف بفرط كالسيوم الدم الطفلي النوع الأول أو HCINF1.
تعاون فريق من الباحثين في مستشفى The Norfolk and Norwich University، ودرسوا حالة ٤٧ مريضًا استخدموا مزيجًا من التسلسل الجيني للجيل القادم؛ لدراسة عينات الدم في ١٠٪ من المرضى غير المصابين بالطفرة.
قال د/ غرين: “أجرت د/ نيكول بول (طالبة الدكتوراه في مختبري) تحليل جيني لعينات الدم لستة من المرضى، ووجدنا أن الشكل المادي للجين CYP24A1 في المرضى المصابون بفرط كالسيوم الدم من النوع الأول غير طبيعيًا”.
وأضاف: “هذا يُخبرنا أن شكل الجينات مهم في تنظيمها، وأيضًا هذا هو السبب وراء تعايش بعض الأشخاص مع HCINF1، ولكن بدون تشخيص نهائي”.
ثم أضاف: “نعلم أن الجينات يجب أن يكون لها التسلسل الصحيح؛ لإنتاج البروتين الصحيح وهذا ما وصل إليه العلم الآن أن الجينات يجب أن يكون لها شكل مادي صحيح”.
المصادر