مما لا شك فيه أن العاب الأطفال يمكن أن تؤثر على الطفل بطريقة سلبية أو إيجابية، وهذا ما يضع عبئاً كبيراً على كاهل الأبوين لجهة نوعية الألعاب التي يختارونها لأطفالهم، فهناك ألعاب قد تنمي المهارات الفنية لديهم، وبعضها الآخر يعمل على الإرتقاء بمستوى ذكائهم، ولكن هناك بعض الألعاب التي يمكن أن تؤثر سلباً على نفسية الطفل بشكل كبير، مثل الألعاب العنيفة أو تلك التي يمكن أن تنمي بداخله حب الإنتقام، أو حتى تلك الألعاب التي يمكن أن ينشأ عنها رابط نفسي بين الطفل واللعبة.
المثير في هذا الأمر أن الباحثين يحاولون حالياً الإستفادة من هذا النوع من الروابط في تطوير الروبوتات، وذلك لجعلها أكثر تقبلاً من قبل المجتمع، فمؤخراً، عثر أحد مصممي الروبوتات على أحد ألعاب الأطفال والتي تدعى بـ “Robosapien” في سوق للأدوات المستعملة، حيث كان مصممو الروبوتات يبحثون عن نموذج قديم لألعاب أطفال لمعرفة السبب الذي دفع العديد من الأشخاص يقبلون على هذا النموذج ويعتبرونه لعبتهم المفضلة، وذلك ليس فقط بهدف تطوير تصميم الألعاب، بل لتطوير مستقبل الروبوتات أيضاً، فلفترة طويلة كانت الروبوتات تعاني من مشاكل في هيئتها، حيث كان ينظر إليها في ثقافتنا على أنها عبارة عن آلات ميكانيكية باردة تدعو إلى القلق، ومن الصعب جداً عكس هذا الانطباع، ولكن هذا الرأي عن الروبوتات يمكن أن يتغير في حال أصبحت أشكالها تبدو بذات الأشكال الودودة والشخصية المحببة التي كانت تبدو عليها ألعابنا عندما كنا صغاراً.
يبدو أن ولع الأطفال بـ “Robosapien” جاء من قدرة هذه الألعاب على إظهار خصائص عاطفية تتمثل بالود والألفة، فهذه الألعاب لم تصمم قط لتبدو بأنها فائقة الذكاء أو بأنها لماحة، بل تم تصميمها ليكون لها نقاط ضعف وزلات لتُمتع الأطفال وتنخرط بمخيلتهم، فمثلاً الخاصية التي تتمتع بها ألعاب “Robosapien” لجهة أنها عبارة عن أصدقاء ودودة للأطفال تقوم بالغناء والرقص لهم، كانت أهم عند الأشخاص الذين امتلكوا هذه اللعبة من أن تكون هذه اللعبة عبارة عن آلة موسيقية فائقة الذكاء.
ولكن هنا يأتي السؤال المهم، هل من الممكن أن توفر الألعاب الناجحة مثالاً لمصممي الروبوتات لانتاج روبوتات محببة؟
الجواب هو ربما، فإذا ما نظرنا إلى دمى أطفال (Cabbage Patch Kids) على سبيل المثال، وهي إحدى أنواع الدمى الأكثر مبيعاً للأطفال، فإننا نلاحظ أن مصنعيها توجهوا إلى مخاطبة المشاعر العاطفية للأطفال، وذلك من خلال جعل هذه الدمى تتطلب الحب والاهتمام، فبعضها يكون بحاجة لتغيير الحفاضات، وبعضها الآخر يتطلب الغذاء بين الحين والآخر، إضافةً إلى أن جميعها تأتي مع وثائق مثل شهادات الميلاد وأوراق التبني، وهذا ما يضع الأطفال في موضع الآباء، حيث لاحظ الباحثون أن هذا الرابط العاطفي الذي يربط الأطفال بالدمى هو ما جعل منها أحد أكثر أصناف الدمى ثباتاً، حيث لا يعود بإمكان الطفل التخلي عن هذه اللعبة إنطلاقاً من واجبهم الأبوي.
ومن الألعاب الأخرى التي استهدفت مشاعر الأطفال وأحاسيسهم كانت لعبة (Tamagotchis)، حيث انتشرت هذه اللعبة في فترة التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان التطور الإلكتروني للألعاب يزدهر، حيث أن هذه اللعبة هي عبارة عن جهاز كمبيوتر صغير على شكل بيضة صغيرة مع شاشة LCD لعرض مربعات من الحيوانات الأليفة المتحركة التي يجب على الطفل أن يرعاها، وذلك عن طريق الاهتمام بتقديم الطعام لها واللعب معها، والجدير بالذكر أن مبيعات هذه اللعبة وصلت إلى أكثر من 76 مليون قطعة حول العالم منذ صدورها في عام 1996، كما أن تقارير الصحف آنذاك أظهرت أن الأطفال كانوا يعانون من حزن شديد عندما ينتهي المطاف بحيواناتهم الإلكترونية إلى الموت.
يضاف إلى ما سبق، لعبة تدعى (Furby) والتي تم إطلاقها في فترة التسعينات أيضاً، وهي لعبة من الفرو ثرثارة جداً ومتطلبة إلى حد الإزعاج، حيث تتوق (Furby) إلى الحب والرعاية، ويوضح صانعها أنه تم تصميم (Furby) لتلامس الشعور البشري “الفطري” من التعاطف حيث أنها تصدر أصواتاً خائفة عندما يتم وضعها رأسا على عقب، أو ترتجف عند سماع أصوات عالية.
قد يعتقد البعض أن هذا النوع من المشاعر لا ينطبق إلّا على الأطفال كونهم أكثر عرضة للتلاعب بمشاعرهم، ولكن هذا الاعتقاد غير دقيق، وذلك بالنظر إلى أن الجنود الأمريكيين في كل من العراق وأفغانستان أقاموا جنازات للروبوتات التي تعرضت لأضرار لا يمكن إصلاحها، ومن هنا نستنتج أن ارتباط البشر بالآلات عاطفياً ليس حكراً على الأطفال فقط، فبما أن الأطفال كانوا قادرين على إنشاء هذا الرابط العاطفي القوي مع لعبة الكترونية بسيطة مثل الـ (Tamagotchis)، فمن الممكن أن يتم إنشاء رابط أقوى ما بين البشر والروبوتات التي تمتلك شكلاً بشرياً، فقد أثبتت الألعاب القديمة أن هذا الأمر ممكن عملياً.
أحد أشهر الروبوتات التي تم تصنيعها بناءً على هذا المبدأ هو روبوت شركة (Aldebaran Robotics) المسمى بـ “Nao” وهو روبوت له شكل بشري يستخدم في المجالات التعليمية، يقارب حجم “Nao” حجم الدب اللعبة “teddy”، حيث أن المنتجين تقصدو هذا الأمر حتى لا يكون حجمه كبيراً، ويمتلك “Nao” أيضاً مصابيح حول العينين وعلى جانبي رأسه القابل للدوران لتوفير المزيد من إمكانية الحركة والإشارة، مما يجعله يبدو بأنه على قيد الحياة، علماً أن أكثر الأشياء بساطة، مثل التأكد من عدم ظهور الأجزاء المعدنية على الهيكل الخارجي للروبوت، قد يساعد في الوصول إلى الهدف.
بالنتيجة، فلقد أظهرت الدراسات عن كيفية تفاعل الأطفال مع الروبوتات، أن المستوى الذي يمتلكه الأطفال من الذكاء الاجتماعي تجاه ألعابهم، يعد حاسماً لدعم العلاقات طويلة الأمد مع الآلات، فإذا لاحظ الأطفال أن الروبوتات تستجيب فعلاً لما يقومون به، ولا تقوم فقط بأفعال عشوائية، عندها لن يفقدوا اهتمامهم بها بسرعة وسيواصلون التفاعل معها لمدة أطول، ولذلك يعد الأمر الأكثر أهمية في عالم تصنيع الروبوتات هو جعل هذه الآلات قادرة على فهم مشاعرنا والتفاعل معها.
أخيراً، فإننا جميعاً كنا نملك علاقات خاصة بألعابنا عندما كنا أطفالاً، حيث أن كل منها كانت تملك شخصيتها المستقلة، فهي ترافقنا في مغامراتنا وتكون بمثابة الصديق الوفي لنا، لهذا فقد يكون الروبوت في نهاية المطاف مجرد لعبة للكبار فقط، وعلى أمل أن يستفيد مصنعو الروبوتات من تجارب الصغار مع ألعابهم، لصناعة روبوتات محببة.