تبعاً لما تشير إليه نتائج دراسة تم إجراؤها مؤخراً، فعندما يعمل الرجال والنساء معاً، فإن أدمغتهم قد لا تتخذ المنهج ذاته في مجال التعاون.
بحسب الدراسة الجديدة، فإن مزامنة المناطق الدماغية التي أضاءت أثناء العمل الجماعي كانت متماثلة عندما كان رجلان يعملان معاً للقيام بمهمة واحدة، وعندما كانت امرأتين تعملان معاً أيضاً، ولكن هذه المناطق كانت مختلفة بين الرجال والنساء، ففي الفرق التي كانت تتضمن رجلاً واحداً وامرأة واحدة، كان نشاط الدماغ ما بين المشتركين غير متزامن.
كانت الأبحاث التي تم إجراؤها على مدى أكثر من 50 عاماً قد أظهرت بأن الرجال والنساء يعملون بطرق مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتعاون، وذلك وفقاً للدراسة التي نشرت في 8 حزيران/ يونيو في مجلة (Scientific Reports).
تبعاً للدكتور (ألان ريس)، وهو أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد في كلية الطب، والمؤلف الأساسي للدراسة، فإن الأمر لا يتعلق بأن الذكور أو الإناث أفضل في التعاون، أو بأنهما لا يستطيعان التعاون مع بعضهما، بل إن هناك فقط اختلاف في كيفية معالجة أدمغة كل منهما للتعاون.
في هذه الدراسة، أراد الباحثون فهم ما يحدث في الدماغ عندما يتعاون الرجال والنساء ويسبب هذه الاختلافات، لذلك قاموا بإجراء مسح دماغي على 111 زوجاً من المشاركين، الذين طلب منهم التعاون مع بعضها البعض لإكمال مهمة معينة على الكمبيوتر، وقام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى 3 مجموعات، تضمنت المجموعة الأولى 39 زوجاً من الرجال فقط، في حين تتضمنت المجموعة الثانية 34 زوجاً مؤلفاً من رجل وامرأة، وكانت المجموعة الثالثة تضم 38 زوجاً من النساء فقط ، وقد أشار الباحثون بأنه لم يكن المشاركون يعرفون بعضهم بعضاً قبل التجربة.
خلال المهمة التي طلب منهم إكمالها على الكمبيوتر، كان على كل شخص من الأشخاص في كل فريق النظر إلى شاشة الكمبيوتر خاصته، وعندما كان لون الدائرة التي تظهر على الشاشة يتغير، كان عليه الضغط على زر معين، وكان الهدف هو الضغط على الزر في نفس الوقت كشريكين، ولم يكن بإمكان المشاركين في الفرق التحدث مع بعضهم، أو رؤية شاشة الكمبيوتر لدى شركائهم، وقد تم إعطاء الأزواج 40 محاولة لمحاولة مزامنة توقيتهما، وذلك وفقاً للدراسة، وبعد كل محاولة، كان يطلب منهم ضغط الزر بشكل أسرع، وما مدى السرعة التي يجب عليهم القيام بذلك من خلالها.
استخدم الباحثون تقنية لتصوير الدماغ تسمى “hyperscanning” وذلك لقياس نشاط دماغ كل شخص أثناء المهمة، فخلافاً للأشكال الأخرى من التصوير الدماغي، كان يمكن القيام بالـ(hyperscanning) والمشاركين في وضعية الجلوس بشكل مستقيم وحتى وهم يتحركون.
وجد الباحثون أنه، في المتوسط، كان أداء الأزواج من الذكور والأزواج من الذكور والإناث متماثلاً في أداء المهمة، وكلاهما كانا أفضل من المجموعة التي تضم الأزواج من الإناث فقط، وبحسب (جوزيف بيكر)، وهو باحث في الطب النفسي لما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد، والمؤلف المشارك الرئيسي للدراسة، فقد لاحظ الباحثون أيضاً أنه ضمن الأزواج المؤلفة من الجنس ذاته، كان نشاط دماغ المشاركين أكثر تزامناً، وأنه كلما كانت أدمغة الأزواج ضمن الفريق الواحد أكثر تزامناً، كان أداؤهم يصبح أفضل.
أشار الباحثون خلال دراستهم بأن الأبحاث السابقة التي قامت بإجراء مسح دماغي لاثنين الأشخاص وهم يؤديان مهمة معينة بشكل متعاون، كانت قد أظهرت بأن نشاط الدماغ لدى كل من الأفراد يبدو متزامناً، ولكن الدراسة الجديدة، أظهرت بأن تزامن المناطق الدماغية التي كانت منشطة خلال عملية التعاون كانت مختلفة بين الأزواج من الذكور مقارنة مع الأزواج من الإناث.
في المقابل، لم يرى الباحثون تزاماً بين النشاط الأدماغي للأزواج المختلطة بين الجنسين، مما يوحي أيضاً بأن كل جنس يستخدم إستراتيجيات معرفية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتعاون.
أشار الباحثون بأن هذه الدراسة تعتبر اكتشافاً مبكراً في هذا الميدان، وأن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث للحصول على فهم كامل للآليات الدماغية الكامنة وراء التعاون، كما أنهم قاموا بإجراء الدراسة باستخدام نوع واحد من مهام للتعاون، ولكن من الممكن أن تسفر المهام المختلفة عن نتائج مختلفة.
لقد تسلط هذه النتائج الضوء على الكيفية التي تطورت فيها عقلية كل من الذكور والإناث للتعامل مع المهام المختلفة، فعلى سبيل المثال، افترض آخرون بأن التاريخ الذكوري من الصيد والحروب قد أسفر عن حدوث اختلافات تطورية في كيفية تعامل أدمغتهم فيما يخص موضوع تعاون الرجال مع بعضهم البعض.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تكون النتائج أيضاً مفيدة للأشخاص الذين يجدون صعوبة في التفاعل مع الآخرين، مثل أولئك الذين يعانون من مرض التوحد، حيث أن الأشخاص المصابين بالتوحد عادة ما يكون لديهم مشاكل مع الإدراك الاجتماعي، لذلك يأمل الباحثون أن يستطيعوا معرفة المزيد حول علم الأعصاب الذي يتحكم بعملية التعاون بحيث أنهم قد يكونون عندها قادرين على تصميم علاجات أكثر فعالية للأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد.