لنعتبر بأن هناك شخصان، (أماندا) و(بيثاني)، كلاهما أكثرتا من تناول الشراب في حفل عشاء، و قادتا السيارة إلى منزلهما تحت تأثير الكحول.
مرت (أماندا) خلال تقاطع للطرق في ذات الوقت الذي كان فيه أحد المشاة يعبر الشارع، وعلى اعتبار أنها كانت تقود تحت تأثير الكحول، كانت استجاباتها العصبية بطيئة جداً، مما أدى إلى دهسها لذلك الشخص الذي مات بعد فترة وجيزة، في حين وصلت (بيثاني) بسيارتها إلى المنزل بأمان على الرغم أنها كانت لتفعل الشيء نفسه بالضبط إذا ما واجهتها الحالة التي واجهت (أماندا)، وما منع ذلك هو عدم مرور شخص ما في طريقها فقط.
شعور انعدام المسؤولية متواجد لدى (أماندا) و(بيثاني) على حد سواء، وذلك لأن كل منهما قادت سيارتها تحت تأثير الكحول، وكانت قدرتهما على تجنب دهس أحد المشاة متساوية تماماً، ولم يكن لدى أي منهما نية في إيذاء أي شخص، ولكن على الرغم من هذا التشابه في الحالة، فقد انتهى الأمر بـ(أماندا) ليتم اتهامها بتهمة القتل غير العمد، أما (بيثاني) فلم تحصل سوى على مخالفة لقيادتها تحت تأثير الكحول.
هذه القصة توضح ما يشير إليه الفلاسفة بـ”الحظ الأخلاقي”، فنحن نميل إلى تقييم كل من (أماندا) و(بيتاني) بشكل مختلف جداً، وذلك على الرغم من أن الفرق بينهما -الشخص غير المتوقع الذي كان يعبر الشارع- كان فعلياً مسألة حظ، سوء حظ بالنسبة لـ(أماندا)، وحظ جيداً بالنسبة لـ(بيثاني).
يعتبر الحظ الأخلاقي أمراً محيراً، فنحن عادة ما نحمّل الأشخاص الآخرين مسؤولية الأخطاء التي كان بإمكانهم السيطرة عليها فقط، ولكن في حالة (أماندا)، فهي لا تستطيع السيطرة على وجود المشاة، لذلك قد يتصور المرء بأنه لا يجب تحميلها اللوم والعقاب أكثر مما تتحمله (بيثاني)، أو تحميل (بيثاني) اللوم والعقاب ذاته الذي تتحمله لـ(أماندا)، لأنهالا تستطيع أيضاً السيطرة على عدم تواجد أحد المشاة في طريقها.
يعتبر السبب الذي يجعل الأحكام الأخلاقية لدينا حساسة للحظ – وما إذا كان يجب أن تكون كذلك أم لا- مصدر للنقاش التجريبي والنظري المثير للاهتمام، ولكن اليوم، سنستخدم حالة من الحظ الأخلاقي لطرح مجموعة موازية من الأسئلة حول العلم، فهل هناك شيء يدعى بـ”الحظ العلمي”؟
لنأخذ حالة كل من (كلير) و(دانييلا)، كلاهما عالمتان تبذلان ذات المجهود في العمل لحل إحدى المشكلات العلمية الصعبة -دعونا نقول بأنهما تبحثان عن أدلة على بعض الجسيمات الأساسية- وكلاهما تقومان بابتكار الكاشفات الجديدة على قدم المساواة وجمع كميات معادلة من البيانات، ولكن لأسباب خارجة عن نطاق السيطرة، تتمكن (كلير) من رؤية أدلة لم تستطع (دانييلا) رؤيتها، وبهذا تتمكن (كلير) من الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء، في حين تناضل (دانييلا) من أجل نشر نتائجها غير الحاسمة، وهكذا نعتبر (كلير) عالمة استثنائية، وتمضي (دانييلا) دون أن يعلم أحد بوجودها.
كما هو الحال مع حالة الحظ الأخلاقي، فإننا قد نتساءل ما إذا كانت هذه التقييمات للجدارة العلمية مناسبة أم لا، فبعد كل شيء، عملت كل من (كلير) و(دانييلا) بذات الجهد، ويمكننا أيضاً أن نقول بأن كلتاهما كانتا تعملان بذات الحرص والانتباه، وأنهما أرشدتا فرقتاهما البحثية بشكل جيد بذات القدر، وهلم جراً، ولكن إذا ما قمنا بتغيّر بعض العوامل الخارجة عن سيطرتهما – لنقل مساراً محدداً لجزيء معين في يوم معين – لكانت (دانييلا) هي من وجدت الأدلة ونالت جائزة نوبل، وليس (كلير).
في ضوء ذلك، هل يجب علينا إعادة النظر في تقييمنا لـ(كلير)؟ فقد لا تكون أكثر استحقاقاً من (دانييلا)، أو هل يجب علينا إعادة النظر في تقييمنا لـ(دانييلا)؟ فقد يكون لها حصة في جائزة (كلير)، أو ربما يكون علينا أن نحتضن الحظ العلمي كسمة مشروعة للتقييم العلمي، ونؤيد بذلك فكرة أن (كلير)، هي في الواقع، العالمة الأفضل والأكثر استحقاقاً للثناء؟
ليس هناك شك بأن الاكتشافات العلمية تتأثر بالحظ، سواء أكان ذلك الحظ جيداً أو سيئاً، وليس هناك شك في أن الحظ العلمي يمكن أن يؤثر على مهنة العلماء، سواء بشكل جيد أو سيء، ومن الصحيح أيضاً أنه في معظم الحالات، لا يكون وضع الشخص الذي نال جائزة نوبل والشخص الذي أصبح نكرة مشابهاً تماماً لحالة كل من (كلير) و(دانييلا)، فإذا ما وصل شخص ما لاكتشاف مهم، فهذا عادة ما يكون خير دليل على أن هذا الشخص دقيق حقاً، وبأنه كان يضع كل اهتمامه في مشروعه وبأنه عالم ممتاز بطرق أخرى أيضاً، ولكن هذا لا يعني أن العالم الآخر، سيء الحظ، لا يستحق التقدير على قدم المساواة، ولكن في معظم الحالات، يكون هناك أدلة أفضل على الجدارة العلمية للعالم المحظوظ مما يمتلكها نظيره سيء الحظ.
ولكن حالة (كلير) و(دانييلا) – ودور الحظ المتمثل فيها – يجب أن تجعلنا أيضاً نتوقف للحظة.
يرى بعض فلاسفة الأخلاق، لأسباب مختلفة، بأن الحظ الأخلاقي سيؤثر (وربما يجب أن يؤثر) على أفعالنا، بما في ذلك تلك التي نعاقب عليها ونحمل مسؤولية قانونية تجاهها، فبعد كل شيء، هناك حالة وفاة يجب على أحد ما أن يتحمل مسؤوليتها في حالة (أماندا)، وليس هناك مثل هذا الأمر في حالة (بيثاني)، لكنهم يرون أيضاً بأنه عندما يتعلق الأمر بتقييم الطابع الأخلاقي لشخص ما، فلا ينبغي لنا أن نكون سريعين جداً ونميز الأشخاص المحظوظين فقط عن غير المحظوظين، بل يجب أن نكون حذرين، وبعبارة أخرى، لا يجب القول بأن (بيثاني) شخص “أفضل” أو أكثر أخلاقية من (أماندا).
يجب أن نميز في حالة العلم أيضاً، بين الطريقة التي نحكم فيها على المساهمات العلمية – وأنواع النتائج التي يحصل عليها الأفراد – والطريقة أن نصدر أحكامنا فيها حول الجدارة العلمية للفرد، فبعد كل شيء، استطاعت (كلير) الوصول إلى الاكتشاف، في حين لم تستطع (دانييلا) ذلك وحسب.
الحظ الأخلاقي يخبرنا بأن تقديرنا للمساهمات التي تستحق الجوائز لا ينبغي أن يتطابق مع تقييمنا للجدارة، فوراء كل عالم محظوظ ومعروف مجموعة من الأقران الأقل حظاً، وهؤلاء الأقران يستحقون – في بعض النواحي – ثناءً مماثلاً لذلك العالم المحظوظ، وبعبارة أخرى، يجب أن نكون حذرين من القول بأن بعض الأشخاص هم علماء أفضل أو أكثر ذكاء من غيرهم، على الأقل عندما يكون أساس قيامنا بذلك يتركز، إلى حد كبير، على العوامل التي تكون خارجة عن سيطرتهم.