لقد كانت النجوم منذ القدم مصدرًا للإعجاب والفضول لدى الإنسان. فقد نظر الإنسان إلى السماء اللامتناهية واستوقفه تلألؤ النجوم في الليل، وسردها اللامع في سماء الصباح، وبدأ يبحث عن معنى لهذه النجوم ويسعى لفهمها. في هذا السياق، كان لدى العرب دور بارز في دراستها وتسميتها عبر التاريخ.
البحث عنها وتسميتها كان أمرًا أساسيًا للعلماء والفلاسفة العرب، الذين ساهموا بشكل كبير في تطوير علم الفلك والفضاء. تعتبر مساهمات العرب في هذا المجال من أهم الإرث العلمي في التاريخ البشري. فقد كان لديهم مصطلحات وأسماء مميزة لها وللكواكب، وكانوا يوثقون حركتها وترصدها بدقة.
اقرأ أيضاً: النجم النابض البطيء المكتشف حديثًا قد يكون نوعًا فريدًا من النجوم النيوترونية
ما الذي يجب أن تعرفه عن حياة النجوم
من خلال هذا المقال العلمي، سنتناول رحلة البحث وتسميتها عند العرب عبر التاريخ، حيث سنتعرف على دور العلماء العرب البارزين مثل البتراركي والزرقاء والبيروني، وكيف أسهموا في تطور علم الفلك وتسميتها بأسماء عربية جميلة. سنستعرض أيضًا بعض الأساطير والقصص التي رافقت تلك النجوم في ثقافة العرب القديمة وكيف ترتبط بتطور التفكير العلمي والفلكي لديهم.
ما هي النجوم؟
هي أجسام سماوية مشعة تنبعث ضوءها وحرارتها نتيجة لعمليات الاندماج النووي في أعماقها. إنها تشكل جزءًا مهمًا من الكون وتحظى بأهمية كبيرة في علم الفلك والفيزياء الفلكية.
تتكون أساساً من غازات مختلفة مثل الهيدروجين والهيليوم، وتحتضن درجات حرارة وضغوطًا هائلة في أعماقها تجعلها قادرة على دمج العناصر الخفيفة لتكوين العناصر الأثقل مثل الهيليوم والليثيوم والكربون والأكسجين وغيرها.
عملية الاندماج النووي تقع في قلب النجوم وتسبب إطلاق كميات هائلة من الطاقة والضوء، وهذه العملية تمنع انهيار النجم تحت تأثير جاذبيته الضخمة. تكون النجوم في مراحل مختلفة من دورتها الحياة، وتعتمد مدى تطورها على كتلتها الأولية والشروط البيئية المحيطة بها.
بنية النجوم
يعتبر الهيدروجين اللبنة الأولية للنجوم، أما الغاز الذي يدور عبر الفضاء في سحب غبار كونية فيدعى بالسديم، ومع الوقت، فإن الجاذبية تجعل هذه الغيوم تتكثف وتنهار على نفسها، ومع تناقص حجمها تزداد سرعة دوران الغيوم لتحافظ على زخمها الزاوي، وهذا المبدأ ذاته الذي يسبب زيادة سرعة دوران المتزلجين على الجليد عندما يضمون ذراعيهم على أجسامهم.
هذا التزايد في الضغط يسبب ارتفاع درجات الحرارة الداخلية للنجم الوليد، وتبدأ عملية الاندماج النووي عندما ترتفع درجة الحرارة الأساسية للنجم الشاب النامي إلى حوالي 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة مئوية).
دورة الحياة
تسمى النجوم الناشئة في أول مراحلها باسم النجم الأولي (protostars)، ومع تزايد تراكم كتلتها من الغيوم التي توجد حولها، تنمو هذه النجوم لتصبح ما يعرف باسم نجوم السلسلة الرئيسية، ونجوم السلسلة الرئيسية، مثل شمسنا، تستمر بحالة الاندماج النووي، الذي تقوم خلاله ببث الطاقة، لبلايين السنين عن طريق تحويل الهيدروجين إلى هيليوم.
تتطور النجوم مع مرور مليارات السنين، وعندما تنتهي مرحلة السلسلة الرئيسية التي تمر بها فإنها تنتقل إلى حالة أخرى، وذلك تبعاً لحجمها وغيرها من الخصائص التي تتميز بها، وكلما زاد حجم كتلة النجوم، كانت مدة بقائها أقصر.
مع اقتراب النجوم من نهاية حياتهم، يكون مقدار الهيدروجين الكبير الذي كانت تمتلكه قد تحول إلى غاز الهليوم، وهذا الهيليوم يغوص إلىى لب النجم ويرفع من درجة حرارته، مما يؤدي إلى توسع الغلاف الخارجي له، وتعرف هذه النجوم الكبيرة، والمتورمة باسم النجوم العملاقة الحمراء.
تعتبر مرحلة العملاق الأحمر في الواقع تمهيداً لانهيار الطبقة الخارجية للنجم وتحوله إلى جسم كثيف صغير يسمى بالقزم الأبيض، والجدير بالذكر أن الأقزام البيضاء تستغرق مليارات السنين حتى تبرد، وحينها يصبح النجم في نهاية المطاف مظلماً وغير قادر على إنتاج أي نوع من الطاقة، وفي هذه المرحلة، التي لا يزال على العلماء مراقبتها بشكل أكبر، تتحول هذه النجوم لتصبح ما يعرف باسم القزم الأسود.
هناك عدد قليل من النجوم التي تستطيع تجنب هذا المسار التطوري، وتنهي حاتها بدلاً من ذلك بانفجار ضخم يدعى بالسوبرنوفا، وهذه الانفجارات العنيفة عادة ما تترك وراءها مخلفات لبيّة صغيرة يمكن أن تصبح نجوم نيوترونية أو حتى -إذا كانت البقايا كبيرة بما فيه الكفاية- فقد تصبح ثقوباً سوداء.
أسماء النجوم عند العرب
أسماء النجوم عند العرب القدماء كانت تحمل معانٍ عميقة وتعكس تراثًا غنيًا من المعرفة والأساطير والثقافة القديمة. في تلك الفترة، كانت هناك اختلافات كبيرة بين أسماء النجوم التي استخدمها العرب القدماء وبين تلك التي تعرف اليوم في العصر الإسلامي أو حتى بالمقارنة مع الأسماء الحالية.
نجم الشمال
نجم الشمال، الذي يُعرف أيضًا باسم ألفا الدب الأصغر، هو نجم لامع يحتل المرتبة 45 في قائمة النجوم الأكثر توهجًا وإشراقًا في السماء. يُستخدم نجم الشمال كأداة ملاحية في نصف الكرة الشمالي منذ قرون طويلة جدًا، وهو واحد من النجوم الرئيسية التي تساهم في تحديد الاتجاهات باستخدام النجوم.
السبب وراء استخدام نجم الشمال كأداة ملاحية يعود إلى قربه من القطب الشمالي السماوي، وهو القطب الذي يشير إليه البوصلة السماوية. وتُعرف النجم الشمال علميًا بألفا الدب الأصغر.
بالنسبة للمسافة بين نجم الشمال وكوكب الأرض، فإنها تُقدر بحوالي 430 سنة ضوئية على الأغلب. يتألف نجم الشمال من ثلاثة نجوم رئيسية، مما يجعله نجمًا متعدد الأطياف ويمكن رؤيته بوضوح وسطعًا على سطح الأرض.
نجم سهيل:
نجم سهيل كان ولا يزال مشهورًا ومعروفًا بشدة حتى اليوم، وهو ثاني ألمع النجوم بعد “الشعرى اليمانية”، ومن بين أبرز النجوم في السماء، حيث كان يعتمد عليه بشدة في مختلف جوانب الحياة.
كان العرب القدماء ينظرون إلى سهيل اليماني بتفاؤل وأمل، حيث كان يظهر في الفترة التي ينحسر فيها حر الليل وتصبح الأجواء أكثر لطفًا وبرودةً. كان له دور مهم في توجيه المسافرين على البر والبحر نحو الجنوب ومساعدتهم في تحديد اتجاهاتهم، وذلك بناءً على مكان طلوعه من الجنوب بالقرب من اليمن. ومن هنا جاء لقبه “سهيل اليماني”.
تدور الأسطورة حول سهيل اليماني وشقيقتيه الشِّعرى اليمانية والشِّعرى الشامية. وتحكي الأسطورة أن سهيل هرب إلى الجنوب خوفًا من ثأر إخوة زوجته الجوزاء بعد أن قتلها، وأيضًا من ثأر بنات نعش بعد قتل والدهن. هذه القصة تمثل مفهومًا قويًا للصمود والهروب من العقوبة، وتعكس التقاليد والقيم القديمة التي كانت متجذرة في ثقافة العرب القدماء.
بنات نعش:
بنات نعش تعتبر واحدة من أشهر المجموعات النجمية عند العرب القدماء وأشهرها في سماء الليل. تتكون هذه المجموعة من نجمين رئيسيين تشكلان الجزء الرئيسي للنجمة نعش الكبرى، وهما نجم الدوبلن ونجم الفيقا. بالإضافة إلى نجمين آخرين يشكلان الجزء الثانوي للنجمة نعش الصغرى، وهما نجم الميزار ونجم الثعبان. تجمع هذه النجوم الأربعة لتشكل شكل رباعي أو “نعش” في السماء، وهو المصطلح الذي استخدمته العرب القدماء لوصف هذه المجموعة النجمية.
وفي الأساطير العربية، يروى أن سهيل اليماني قتل نعشًا وهرب إلى الجنوب، وعاشت بنات نعش السبع على الثأر من قاتل والدهن. قسمن على عدم دفن جثمان والدهن حتى يتم الانتقام له. وهكذا حملت أربع بنات نعش جثمان والدهن وسارت البنات الثلاث خلفهن. من هنا جاء اسم “بنات نعش” لهذه المجموعة النجمية البارزة في سماء الليل.
إن هذه القصة الأسطورية تسلط الضوء على أهمية النجوم والأجرام السماوية في حياة العرب القدماء، حيث كانت تستخدم لتحديد الاتجاهات والتنقل في الصحاري والبحار، وتعكس الروح القوية للصمود والثأر التي كانت تميز ثقافتهم وتقاليدهم.
الشِّعرى اليمانية أو الشِّعرى العُبور
واحدة من ألمع النجوم في سماء نصف الكرة الشمالية وتُعد واحدة من ألمع الأجرام السماوية بعد الشمس والقمر وبعض الكواكب الأخرى. تعني كلمة “شِّعرى” في اللغة الإغريقية “سيريوس”، وهو الاسم الذي يُطلق على هذا النجم في اللغة الإنجليزية.
تتألف الشعرى اليمانية من نجمين رئيسيين، النجم الأول يُسمى Sirius A ويُعد من بين ألمع النجوم في السماء، والنجم الثاني يُسمى Sirius B وهو أقل سطوعًا بحوالي 10 آلاف مرة من النجم الأول، وبالتالي لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة.
في الأساطير العربية، تُعتبر الشعرى اليمانية أختًا لنجمي الشعرى الشامية وسهيل اليماني. وتحكي الأسطورة أن الشعرى اليمانية حاولت اللحاق بأخيها سهيل بعد أن هرب إلى الجنوب، ولكنها اضطرت لعبور بحر السماء للوصول إليه، ومن هنا جاء اسمها “الشعرى العُبور”، وذلك للإشارة إلى عبورها للبحر السماوي في محاولة للوصول إلى أخيها.
الشِّعرى الشامية أو الشِّعرى الغُمَيصاء
مجموعة من النجوم تتألف من نجمين تشبهان في السطوع نجمي الشِّعرى اليمانية. على الرغم من أن الشامية أقل سطوعًا من الشِّعرى اليمانية، إلا أنها تُعد واحدة من النجوم العشرة الأكثر لمعانًا في نصف الكرة الشمالية. تبعد الشامية عن كوكب الأرض أقل من 12 سنة ضوئية.
وفي الأساطير العربية، تُروى قصة حاولت فيها الشامية مع أختها اليمانية اللحاق بأخيهما سهيل بعد هروبه إلى الجنوب خوفًا من ثأر إخوة الجوزاء وبنات نعش. وعلى عكس الشِّعرى اليمانية التي نجحت في عبور نهر السماء لتصل إلى أخيها، لم تتمكن الشامية من العبور بسبب ضعفها وهشاشتها، وبقيت على الضفة الأخرى وذرفت الدمع حتى أُغمِصَت عيناها، ومن هنا جاء اسمها “الشِّعرى الغُميصاء”.
الثريا
مجموعة من النجوم اللامعة تحتل مكانة خاصة في الأمثال العربية القديمة والأساطير العربية. تُقال في الأمثال القديمة: “أوفى من الدبران وأغدر من الثريا”، وهذا يشير إلى الفتاة الجميلة التي رفضت الزواج من الدبران، الراعي الفقير، رغم محاولاته المستميتة للزواج بها.
تعرف الثريا أيضًا باسم “الشقيقات السبع” في الأساطير اليونانية أو “Pleiades” بالإغريقية. تتألف هذه المجموعة من عدة نجوم، يزيد عددها عن 1000 نجم، لكن يمكن رؤية سبع نجوم منها بسهولة باستخدام العين المجردة. تتجمع هذه النجوم السبعة معًا في السماء لتشكل شكلًا جميلًا يشبه خطاف صنارة صغير، مما يجعلها سهلة التمييز في سماء نصف الكرة الشمالية.
مصادر : |
httphttps://www.britannica.com/science/star-astronomys://www.britannica.com/science/star-astronomy |
https://www.universetoday.com/106725/are-there-more-grains-of-sand-than-stars/ |